ولا يجوز أن يكون «شيئا» مفعولا به ؛ لأنّ فرّطنا لا تتعدّى بنفسها ؛ بل بحرف الجر ، وقد عدّيت ب «في» إلى الكتاب ، فلا تتعدّى بحرف آخر.
ولا يصحّ أن يكون المعنى : ما تركنا في الكتاب من شيء ؛ لأنّ المعنى على خلافه ؛ فبان أنّ التأويل ما ذكرنا.
٣٩ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) : مبتدأ ، و (صُمٌ) ، (وَبُكْمٌ) : الخبر ، مثل حلو حامض ؛ والواو لا تمنع ذلك.
ويجوز أن يكون صمّ خبر مبتدأ محذوف ؛ تقديره : بعضهم صمّ ، وبعضهم بكم.
(فِي الظُّلُماتِ) : يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير المقدّر في الخبر ؛ والتقدير : ضالين في الظلمات.
ويجوز أن يكون في الظلمات خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هم في الظلمات.
ويجوز أن يكون صفة لكم ؛ أي كائنون في الظلمات.
ويجوز أن يكون ظرفا لصمّ ، أو بكم ، أو لما ينوب عنهما من الفعل.
(مَنْ يَشَأِ اللهُ) : من في موضع مبتدأ ؛ والجواب الخبر.
ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف ؛ لأنّ التقدير : من يشأ الله إضلاله أو عذابه ، والمنصوب بيشأ من سبب «من» ، فيكون التقدير : من يعذب ، أو من يضلل ، ومثله ما بعده.
٤٠ ـ (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ) : يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام ، فتنفتح اللام وتحذف الهمزة ، وهو قياس مطّرد في القرآن وغيره ، والغرض منه التخفيف.
ويقرأ بالتحقيق ، وهو الأصل.
وأما الهمزة التي بعد الراء فتحقّق على الأصل ، وتلين للتخفيف ، وتحذف. وطريق ذلك أن تقلب ياء ، وتسكّن ، ثم تحذف لالتقاء الساكنين ؛ قرّب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل.
فأما التاء فضمير الفاعل ؛ فإذا اتصلت بها الكاف التي للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث.
وتختلف هذه المعاني على الكاف ؛ فتقول في الواحد أرأيتك ؛ ومنه قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ). وفي التثنية : أرأيتكما. وفي الجمع المذكّر : أرأيتكم. وفي المؤنث : أرأيتكنّ ؛ والتاء في جميع ذلك مفتوحة. والكاف حرف للخطاب ، وليست اسما. والدليل على ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إمّا مجرورة ، وهو باطل ، إذ لا جارّ هنا. أو مرفوعة ؛ وهو باطل أيضا لأمرين :
أحدهما ـ أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع.
والثاني ـ أنه لا رافع لها ؛ إذ ليست فاعلا ، لأنّ التاء فاعل ، ولا يكون لفعل واحد فاعلان.
وإمّا أن تكون منصوبة ، وذلك باطل لثلاثة أوجه :
أحدها ـ أن هذا الفعل يتعدّى إلى المفعولين ؛ كقولك : أرأيت زيدا ما فعل ؛ فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا.
والثاني ـ أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى ؛ وليس المعنى على ذلك ؛ إذ ليس الغرض أرايت نفسك ؛ بل أرأيت غيرك ؛ ولذلك قلت : أرأيتك زيدا ، وزيد غير المخاطب ولا هو بدل منه.
والثالث ـ أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء ؛ فكنت تقول : أرأيتما كما ، وأ رأيتموكم ، وأريتكن.
وقد ذهب الفرّاء إلى أنّ الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع ، وفيما ذكرناه إبطال لمذهبه.
فأما مفعول «أرأيتكم» في هذه الآية فقال قوم : هو محذوف دلّ الكلام عليه ؛ تقديره : أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجيء الساعة؟
ودلّ عليه قوله (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ).
وقال آخرون : لا يحتاج هذا إلى مفعول ؛ لأنّ الشرط وجوابه قد حصل معنى المفعول.
وأما جواب الشرط الذي هو قوله : (إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) فما دلّ عليه الاستفهام في قوله : (أَغَيْرَ اللهِ) ؛ تقديره : إن أتتكم الساعة دعوتم الله.
و «غير» منصوب ب «تدعون».
٤١ ـ (بَلْ إِيَّاهُ) : هو مفعول «تدعون» الذي بعده. (إِلَيْهِ) : يجوز أن يتعلّق بتدعون ، وأن يتعلّق بيكشف ؛ أي يرفعه إليه.
و «ما» : بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، وليست مصدريّة إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول.
٤٢ ـ (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) : فعلا فيهما مؤنّث لم يستعمل منه مذكر ؛ لم يقولوا بأس وبأساء ، وضر وضرّاء ؛ كما قالوا : أحمر ، وحمراء.
٤٣ ـ (فَلَوْ لا إِذْ) : «إذ» : في موضع نصب ظرف ل (تَضَرَّعُوا) ؛ أي فلولا تضرّعوا إذ.
(وَلكِنْ) : استدراك على المعنى ؛ أي ما تضرّعوا ، ولكن.
٤٤ ـ (بَغْتَةً) : مصدر في موضع الحال من الفاعل ؛ أي مباغتين ؛ أو من المفعولين ، أي مبغوتين.
ويجوز أن يكون مصدرا على المعنى ؛ لأنّ أخذناهم بمعنى بغتناهم.
(فَإِذا هُمْ) : «إذا» هنا للمفاجأة ، وهي ظرف مكان. وهم مبتدأ ، و (مُبْلِسُونَ) خبره ، وهو العامل في «إذا».
٤٦ ـ (إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ) : قد ذكرنا الوجه في إفراد السمع مع جمع الأبصار والقلوب في أول البقرة.