قيل : التّشابه لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا ؛ فإذا اجتمعت الأشياء المتشابهة كان كلّ منهما مشابها للآخر ، فلما لم يصح التشابه إلا في حالة الاجتماع وصف الجمع بالجمع ؛ لأنّ كلّ واحد من مفرداته يشابه باقيها ؛ فأما الواحد فلا يصحّ فيه هذا المعنى.
ونظيره قوله تعالى : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) ؛ فثنّى الضمير وإن كان لا يقال في الواحد يقتتل.
(ما تَشابَهَ مِنْهُ) : ما بمعنى الذي ، و «منه» حال من ضمير الفاعل ، والهاء تعود على الكتاب.
(ابْتِغاءَ) : مفعول له.
و «التأويل» : مصدر أوّل يؤوّل ، وأصله من آل يؤول ، إذا انتهى نهايته.
(وَالرَّاسِخُونَ) : معطوف على اسم الله.
والمعنى أنهم يعلمون تأويله أيضا.
و (يَقُولُونَ) : في موضع نصب على الحال.
وقيل : الراسخون مبتدأ ، ويقولون الخبر.
والمعنى : أن الراسخين لا يعلمون تأويله ، بل يؤمنون به.
(كُلٌ) : مبتدأ ؛ أي كلّه ، أو كل منه.
و (مِنْ عِنْدِ) : الخبر ، وموضع (آمَنَّا) ، (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) نصب بيقولون.
٨ ـ (لا تُزِغْ قُلُوبَنا) : الجمهور على ضمّ التاء ونصب القلوب ؛ يقال زاغ القلب وأزاغه الله.
وقري بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها.
و (إِذْ هَدَيْتَنا) : ليس بظرف ؛ لأنّه أضيف إليه بعد.
(مِنْ لَدُنْكَ) : لدن مبنية على السكون ، وهي مضافة لأنّ علّة بنائها موجودة بعد الإضافة ، والحكم يتبع العلة ، وتلك العلّة أنّ لدن بمعنى «عند» الملاصقة للشيء ، فعند إذا ذكرت لم تختص بالمقاربة ، ولدن عند مخصوص ؛ فقد صار فيها معنى لا يدّلّ عليه الظرف ؛ بل هو من قبيل ما يفيده الحرف ، فصارت كأنها متضّمنة للحرف الذي كان ينبغي أن يوضع دليلا على القرب ؛ ومثله ثمّ وهنا ؛ لأنّهما بنيا لمّا تضمّنا حرف الإشارة.
وفيها لغات هذه إحداها ، وهي فتح اللام وضمّ الدال وسكون النون.
والثانية ـ كذلك ، إلا أن الدال ساكنة ، وذلك تخفيف كما خفّف عضد. والثالثة ـ بضمّ اللام وسكون الدال.
والرابعة ـ لدى.
والخامسة ـ لد ـ بفتح اللام وضمّ الدال من غير نون.
والسادسة ـ بفتح اللام وإسكان الدال ، ولا شيء بعد الدال.
٩ ـ (جامِعُ النَّاسِ) : الإضافة غير محضة ، لأنّه مستقبل. والتقدير : جامع الناس.
(لِيَوْمٍ) : تقديره : لعرض يوم ، أو حساب يوم.
وقيل اللام بمعنى في ؛ أي في يوم.
والهاء في «فيه» : تعود على اليوم ؛ وإن شئت على الجمع ، وإن شئت على الحساب أو العرض.
و (لا رَيْبَ) : في موضع جر صفة ليوم.
(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ) : أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما ، ولو قال : إنك لا تخلف كان مستقيما.
ويجوز أن يكون مستأنفا وليس محكيّا عمّن تقدم.
و (الْمِيعادَ) : مفعال ، من الوعد ، قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
١٠ ـ (لَنْ تُغْنِيَ) : الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل ، ويقرأ بالياء ؛ لأنّ تأنيث الفاعل غير حقيقي ، وقد فصل بينهما أيضا.
(مِنَ اللهِ) : في موضع نصب ، لأنّ التقدير : من عذاب الله. والمعنى : لن تدفع الأموال عنهم عذاب الله.
و (شَيْئاً) : على هذا في موضع المصدر ، تقديره : غنى.
ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى ؛ لأنّ معنى تغني عنهم تدفع ؛ ويكون «من الله» صفة لشيء في الأصل قدّم فصار حالا ؛ والتقدير : لن تدفع عنهم الأموال شيئا من عذاب الله.
والوقود ـ بالفتح : الحطب. وبالضم : التوقّد.
وقيل : هما لغتان بمعنى.
١١ ـ (كَدَأْبِ) : الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ؛ وفي ذلك المحذوف أقوال :
أحدها ـ تقديره : كفروا كفرا كعادة آل فرعون ، وليس الفعل المقدّر هاهنا هو الذي في صلة الذين ؛ لأنّ الفعل قد انقطع تعلّقه بالكاف لأجل استيفاء الذين خبره ، ولكن بفعل دلّ عليه «كفروا» التي هي صلة. والثاني ـ تقديره : عذبوا عذابا كدأب آل فرعون ، ودلّ عليه أولئك هم وقود النار.
والثالث ـ تقديره : بطل انتفاعهم بالأموال والأولاد كعادة آل فرعون.
والرابع ـ تقديره : كذّبوا تكذيبا كداب آل فرعون ؛ فعلى هذا يكون الضمير في كذّبوا لهم ، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حلّ بآل فرعون ، وفي أخذه لآل فرعون.
(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : على هذا في موضع جرّ عطفا على آل فرعون.
وقيل : الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف ، تقديره : دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون ؛ فعلى هذا يجوز في (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وجهان :
أحدهما ـ هو جرّه بالعطف أيضا ، وكذّبوا في موضع الحال و «قد» معه مرادة. ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ، ذكر لشرح حالهم.
والوجه الآخر ـ أن يكون الكلام تمّ على فرعون ، والذين من قبلهم مبتدأ ، و (كَذَّبُوا) خبره.
و (شَدِيدُ الْعِقابِ) : تقديره : شديد عقابه ؛ فالإضافة غير محضة.
وقيل : شديد هنا بمعنى مشدد ؛ فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل.
١٢ ـ (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) : يقرآن بالتاء على الخطاب ؛ أي واجههم بذلك. وبالياء ، تقديره : أخبرهم بأحوالهم ؛ فإنهم سيغلبون ويحشرون.
(وَبِئْسَ الْمِهادُ) : أي جهنّم ، فحذف المخصوص بالذم.
١٣ ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) : آية اسم كان ؛ ولم يؤنّث ، لأنّ التأنيث غير حقيقي ، ولأنّه فصل ؛ ولأنّ الآية والدليل بمعنى. وفي الخبر وجهان :
أحدهما ـ «لكم» ، و (فِي فِئَتَيْنِ) : نعت لآية.
والثاني ـ أنّ الخبر «في فئتين» ، ولكم متعلّق بكان.
ويجوز أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية ؛ أي آية كائنة لكم ، فيتعلّق بمحذوف.
و (الْتَقَتا) : في موضع جرّ نعتا لفئتين.
و (فِئَةٌ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي إحداهما فئة.
(وَأُخْرى) : نعت لمبتدأ محذوف ، تقديره : وفئة أخرى «كافرة».