وفي مقابل ذلك دأب الشيعة ، فإنّ الإمامة عندهم من عمدة اُصول الدين ، والتقليد لاسيّما في الاُصول عندهم غير جائز ، فحينما برزوا في العلم شرعوا في تتبّع المذاهب وتصفّح الكتب والصحائف ، واستنقاد الأدلّة واستفادة المسألة ، ولا يجوز عندهم الاكتفاء بمحض قول المؤالف حتّى في نقل الأدلّة والمذاهب ؛ إذ لا يسمع دعوى المدّعي بدون إقرار الخصم أو الشاهد .
فلهذا جعلوا مدار التحقيق على تتبّع كتب القوم أيضاً ، حتّى استخرجوا منها ما يدلّ على إقرار خصومهم ، وشواهد ما أنكروه ، وسائر ما فيه إتمام الحجّة ، حتّى على الخصم ، وصار ذلك ديدنهم ، بحيث إنّ جماعة منهم لم يقنعوا بما نقل علماؤهم من القوم ، حتّى راجعوا كتبهم ورواياتهم ، فرأوا ما أرادوه رأي العين وإن لم يقبلوا من ذلك ـ ما سوى خبر مقبول الفريقين ـ إلاّ ما فيه حجّة على الخصم ممّا قبله ورواه .
ومن شواهد صحّة جميع ما ذكرناه : كمال اطّلاع الفرقة المحقّة من الشيعة على مذاهب القوم وأحاديثهم ، ووجود أكثر كتبهم عندهم بحيث ربّما يقال : إنّهم أكثر اطّلاعاً بمذاهب القوم من أنفسهم ، كما تنادي بذلك الكتب الاستدلاليّة من الفرقة المحقّة فروعاً واُصولاً ، فإنّها مشتملة على نقل تمام مذاهب القوم في كلّ مسألة مسألة موافقاً لما في كتبهم ، مع أدلّتهم عليها وجواب الأدلّة ، من أراد الامتحان فليرجع إليها فإنّ منها : كتاب منتهى المطلب ، وكتاب تذكرة الفقهاء للعلاّمة ابن المطهّر الحلّي (١) في الفروع ،
__________________
(١) هو الحسن بن يوسف بن عليّ بن محمّد بن المطهر الحلّي ، يكنّى أبا منصور ، المشتهر بالعلاّمة على الاطلاق ، مفخرة الجهابذة الاعلام ، ومركز دائرة الإسلام ، له مؤلّفات تنيف على المائتين ، منها : نهج الحق ، ومناهج اليقين ، ومختلف الشيعة ،