وقد صار ذلك ديدنهم ، بحيث إنّ جماعة منهم منعوا عن مطالعة بعض كتبهم التي نقلوا فيها ما يؤيّد مدّعى الشيعة ، نحو كتب ابن قتيبة (١) ، وابن أبي الحديد (٢) ، وتفاسير التفضيليّة وأمثالها ، واعتذروا عن ذلك بأنّها تورث الشكّ ، حتّى أنّه إن حاول أحد منهم الملاحظة التفصيليّة ، أو عاشر علماء الشيعة ، اتّهموه وإن كان من أعلم علمائهم .
ولعلّ الحقّ معهم في ذلك ؛ لما يظهر من تلويحات جمع منهم ، بل تصريحاتهم ، لاسيّما من عاشر منهم الشيعة ومارس كتبهم ، من الميل إلى مسلكهم والنصرة لطريقتهم ، فلا أقلّ حينئذٍ من عروض الشكّ والتردّد لهم ؛ ولهذا ترى علماء رجالهم قد يقولون في ترجمة أحوال بعض رواتهم ومشايخهم : إنّه اختلط في أواخر عمره ! ونحو ذلك ، فإنّ مرادهم الميل إلى التشيّع ، وعباراتهم الدالّة على ما ذكرناه كثيرة من أرادها فعليه بكتاب مجالس المؤمنين ، وأمثاله .
__________________
(١) هو عبداللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ النحوي اللغوي ، يكنّى أبا محمّد ، ولي قضاء الدينور مدّة ، صاحب التصانيف الحِسان في الفنون والعلوم ، له كتب منها : المعارف ، وغريب القرآن ، وغريب الحديث ، والإمامة والسياسة ، ولد سنة ٢١٣هـ ببغداد ، ومات سنة ٢٧٦ هـ .
انظر : إنباه الرواة ٢ : ١٤٣ / ٣٥٧ ، وفيات الأعيان ٣ : ٤٢ / ٣٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٩٦ / ١٣٨ .
و« الدينور » مدينة من أعمال الجبل قرب قرميسين ، انظر : معجم البلدان ٢ : ٥٤٥ ، وقرميسين : معرب كرمان شاهان ، انظر معجم البلدان ٤ : ٣٣٠ ، والجبل اسم لعدّة مناطق ، انظر تفصيلها في معجم البلدان ٢ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .
(٢) هو عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمّد ، يكنّى أبا حامد ، عالم بالأدب ، من أعيان المعتزلة ، ومعدود في أعيان الشعراء ، وله ديوان مشهور ، وشرح نهج البلاغة ، والقصائد السبع العلويات ، ولد سنة ٥٨٦ هـ في المدائن ، ومات سنة ٦٥٥ هـ .
انظر : فوات الوفيات ٢ : ٢٥٩ / ٢٤٦ ، الأعلام ٣ : ٢٨٩ .