مضى ، وإزاحة ما يأتي من متابعة الهوى خوفاً من اللّه ورجاءً للهدى ، بأن يجعل نصب عينيه في تمام مدّة نظره أنّه مهما انحرف يميناً أو شمالاً وقع في مهوى الخطأ ، واستحقّ وزراً ووبالاً ، كما قال تبارك وتعالى : ( فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا *فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ) (١) ، وقال : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) (٢) .
ومن قرائن صحّة تحقّق تلك الحالة : أن ينظر إلى كلام الخصم بنظر الاعتبار بنحو ما ينظر إلى كلام نفسه ، بل الأولى له أن يتفحّص عن عيوب كلامه ومحاسن كلام الخصم ، حتّى يحصل له بذلك كمال تعادل الطرفين ، ويتبيّن عليه أحسن القولين ؛ إذ كما في الحديث : «إنّ لكلّ حقٍّ حقيقةً ولكلّ صوابٍ نوراً» (٣) ومن الواضح أنّه يظهر حينئذٍ ما فيه شيء من ذلك ظهوراً .
ولهذا ضلّ المخالفون في طغيانهم يعمهون ، حيث إنّهم اعتادوا في بدو الحال على تصديق صحّة طريقتهم وبطلان طريقة الشيعة تقليداً ، ثمّ نشأوا على ذلك ، بحيث صار عندهم مسلّماً ، بحيث إنّ الأكثرين منهم لا يتوجّهون إلى ملاحظة كلام الشيعة ، ولا مطالعة كتبهم تفصيلاً ، بل إذا وقعت بأيديهم حرّقوها وأضاعوها تعصّباً ، حتّى أنّه لو اتّفق لهم النظر فيها نظروا بعين التكذيب ، وفي غاية الإجمال ونهاية الاستعجال ، بل نظر المغشيّ عليه من الموت .
__________________
(١) سورة النازعات ٧٩ : ٣٧ ـ ٣٩ .
(٢) سورة القصص ٢٨ : ٥٠ .
(٣) رواه النعماني في الغيبة : ١٤١ / ٢ عن أبي عبداللّه عليهالسلام ، وعنه بحار الأنوار ٥١ : ١١٢ / ٨ .