الباب الثالث
في بيان الامتحان بإمهال الظالمين في الدنيا ، وابتلاء المؤمنين ، ورواج الباطل وكثرة أهله ، وقلّة أهل الحقّ .
اعلم أنّ اللّه عزوجل حيث أراد أن يكون دار تنعّم أوليائه الجنّة ، ومحلّ راحتهم النشأة الاُخرى ، بعكس ما هو لأعدائه من تلاعبهم في الدنيا ، لأجل هوانها عنده سبحانه ، ولغير ذلك من المصالح العظيمة التي منها : إتمام الحجّة ، وإزالة العذر بالنهي عن ذلك ، والتوبيخ والتهديد ، جعل من جملة ما امتحن به عباده أيضاً إمهالَ أهل الدنيا والفراعنة والظالمين وأمثالهم وأتباعهم ، وشدّة رواج الباطل ورونق سوقه ؛ بحيث يشتبه بالحقّ على الجاهل في الوثوق به ؛ لغلبة أهله وكثرة أبناء الدنيا وشوكتهم ، وكذلك جعل من ذلك شدّة مصائب أولياء اللّه ، ومتاعب أهل طاعته ، وضعف أهل الآخرة وابتلاءهم ، وكساد الحقّ وبواره ؛ بحيث يشتبه الحقّ على الجاهل بالباطل من ضعف أهله وقلّة أتباعه وسقوط اعتباره .
ولهذا ذمّ الفرقة الاُولى ونهى عن اتّباعهم والميل إليهم ، وبيّن شدّة عذابهم وعلائم بطلانهم ، ومدح الاُخرى ، وأمرهم بالصبر على البلوى ، وتحملّ الأذى ، والسلوك مع أبناء الدنيا ، والمداراة مع أهل الهوى ، وكتمان الحقّ عن الظالمين والأشرار ، وستر العلوم عنهم والأسرار .