وذلك أنّ اللّه شرع لبني آدم طريقاً منيراً ، وأخرج من آدم عليهالسلام نسلاً طاهراً طيّباً ، أخرج منه الأنبياء والرسل ، هم صفوة اللّه وخلص الجوهر ، طهروا في الأصلاب ، وحفظوا في الأرحام ، لم يصبهم سفاح الجاهليّة ، ولا شاب أنسابهم ؛ لأنّ اللّه عزوجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه ، فمن كان خازن علم اللّه ، وأمين غيبه ، ومستودع سرّه ، وحجّته على خلقه ، وترجمانه ولسانه ، لا يكون إلاّ بهذه الصفة .
فالحجّة لا يكون إلاّ من نسلهم ، يقوم مقام النبيّ صلىاللهعليهوآله في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول ، إن جحده الناس سكت ، وكان بقاء (١) ما عليه الناس قليلاً ممّا في أيديهم من علم الرسول صلىاللهعليهوآله على اختلاف منهم فيه ، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس ، وإنّهم إن أقرّوا به وأطاعوه وأخذوا عنه ، ظهر العدل وذهب الاختلاف والتشاجر واستوى الأمر وأبان الدين وغلب على الشكّ اليقين ، ولا يكاد أن يقرّ الناس به أو نجعوا (٢) له بعد فقد النبيّ ، وما مضى رسول ولا نبيّ قطّ إلاّ وتختلف اُمّته من بعده ، وإنّما كان علّة اختلافهم خلافهم على الحجّة وتركهم إيّاه» .
قال السائل : فما يصنع بالحجّة إذا كان بهذه الصفة ؟
قال : «قد يقتدى به ويخرج عنه الشيء بعد الشيء فيه منفعة الخلق وصلاحهم ، فإن أحدثوا في دين اللّه شيئاً أعلمهم ، وإن زادوا فيه أخبرهم ، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم . . .» (٣) ، الخبر .
ودلالته ظاهرة ، ولاسيّما على ذمّ الاختلاف وبطلان العمل بالرأي
__________________
(١) في النسخ : بقائه ، وما أثبتناه من المصدر .
(٢) في «م» : يحقوا ، وكذا في البحار ، وفي الاحتجاج (ولا يطيعوا له أو يحفظوا له) .
(٣) الاحتجاج ٢ : ٢١٢ / ٢٢٣ ، بحار الأنوار ١٠ : ١٦٤ / ٢ بتقديم وتأخير .