المكلف ، فهناك إذن فى مرحلة الثبوت ( ملاك ) و ( ارادة ) و ( اعتبار ) ، وليس الاعتبار عنصرا ضروريا فى مرحلة الثبوت ، بل يستخدم غالبا كعمل تنظيمى وصياغى اعتاده المشرعون والعقلاء ، وقد سار الشارع على طريقتهم فى ذلك. وبعد إكتمال مرحلة الثبوت بعناصرها الثلاثة أو بعنصريها الاولين على أقل تقدير تبدا مرحلة الاثبات ، وهى المرحلة التى يبرز فيها المولى بجملة إنشائية أو خبرية مرحلة الثبوت بدافع من الملاك والارادة ، وهذا الابراز قد يتعلق بالارادة مباشرة ، كما إذا قال : ( اريد منكم كذا ) ، وقد يتعلق بالاعتبار الكاشف عن الارادة ، كما إذا قال : ( لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ). وإذا تم هذا الابراز من المولى أصبح من حقه على العبد قضاء لحق مولويته الاتيان بالفعل ، وانتزع العقل عن إبراز المولى لارادته الصادر منه بقصد التوصل إلى مراده عناوين متعددة من قبيل البعث والتحريك ونحو هما. وكثيرا ما يطلق على الملاك والارادة وهما العنصران اللازمان فى مرحلة الثبوت اسم ( مبادى الحكم ) ، وذلك بافتراض أن الحكم نفسه هو العنصر الثالث من مرحلة الثبوت أى الاعتبار والملاك والارادة مبادىء له وإن كان روح الحكم وحقيقته التى بها يقع موضوعا لحكم العقل بوجوب الامتثال هى نفس الملاك والارادة إذا تصدى المولى لابرازهما بقصد التوصل إلى مراده سواء أنشأ اعتبارا أولا.
ولكل واحد من الاحكام التكليفية الخمسة مبادىء تتفق مع طبيعته ، فمبادىء الوجوب هى الارادة الشديدة ، ومن ورائها المصلحة البالغة درجة عالية تأبى عن الترخيص فى المخالفة. ومبادىء الحرمة هى المبغوضية الشديدة ، ومن ورائها المفسدة البالغة إلى الدرجة نفسها.