السابقتين عليها لنجد فيها نفس الشىء ، فان الظاهر من الكلام فى مرحلة الدلالة التصديقية الثانية ، أن المراد الجدى متطابق مع ما قصد إخطاره فى الذهن فى مرحلة الدلالة التصديقية الاولى ، فاذا قال المتكلم ( أكرم كل جيرانى ) وعرفنا أنه يريد أن يخطر فى ذهننا صورة العموم ، ولكن شككنا فى أن مراده الجدى هل هو أن نكرم جيرانه جميعا ، أو أن نكرم بعضهم ، غير أنه أتى باللفظ عاما وقصدإخطار العموم مجاملة لجيرانه ، ففى هذه الحالة نجد أن ظاهر حال المتكلم أنه جاد فى التعميم ، وأن مراده الجدى ذلك ، ومرد ذلك فى الحقيقة إلى ظهور حال المتكلم فى التطابق بين الدلالة التصديقية الاولى والدلالة التصديقية الثانية ، فما دام الظاهر من الاولى إخطار صورة العموم ، فالظاهر من الثانية إرادة العموم جدا ، وهذا الظهور حجة ، ويطلق على حجيته فى هذا المثال أصالة العموم.
وقد يقول المتكلم : ( أكرم فلانا ) ويخطر فى ذهننا مدلول الكلام ، ولكننا نشك فى أنه جاد فى ذلك ، ونحتمل أنه متأثر بظروف خاصة من التقية ونحوها ، وأنه ليس له مراد جدى إطلاقا ، والكلام فيه كالكلام فى المثال السابق ، فان ظهور التطابق بين الدلالتين التصديقيتين يقتضى دلالة الكلام على أن ما أخطره فى ذهننا عند سماع هذا الكلام مراد له جدا ، وأن الجهة التى دعته إلى الكلام هى كون مدلوله مرادا جديا له لا التقية ، وهذا الظهور حجة ويسمى بأصالة الجهة.
ونلاحظ على ضوء ما تقدم أن فى الكلام ثلاثة ظواهر : أحدها تصورى ، وإثنان تصديقيان ، ويختلف التصورى عنهما فى أن ظهور اللفظ تصورا فى المعنى الحقيقى لا يتزعزع حتى مع قيام القرينة المتصلة على أن