كلّ ما له دخل في تحديد التصوّرات العامّة فيها ، وأن لا نعطي في كلّ مسألةٍ من الاستدلال والبحث إلاّبالقدر الذي تكون اصوله الموضوعية مفهومةً بلا حاجةٍ إلى الرجوع إلى مسألةٍ لاحقة. وقد كلّفنا هذا في جملةٍ من الأحيان أن نغيِّر ترتيب المسائل من حلقةٍ إلى اخرى ، فمثلاً : قدّمنا الكلام عن امتناع اجتماع الأمر والنهي على الكلام عن بحث الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته في الحلقة الثانية ، بينما عكسنا المطلب في الحلقة الثالثة ، والنكتة في ذلك : أنّ إبراز بعض النكات في مسالة الوجوب الغيريّ للمقدمة يتوقّف على فهمٍ مسبقٍ لمسألة الامتناع ، من قبيل اقتناص الثمرة بلحاظ أداء القول بالوجوب الغيريّ لمطلق المقدمة إلى سقوط الحرمة ؛ حتى عن المقدمة غير الموصلة لامتناع اجتماع الأمر والنهي. كما أنّ إبراز بعض النكات في مسألة الامتناع ينبغي أن يكون بعد الإحاطة بحال الوجوب الغيريّ من قبيل أنّ امتناع الاجتماع كما يكون في الأمر النفسي مع النهي كذلك في الأمر الغيريّ مع النهي أيضاً ، ففي الحلقة الثانية أبرزنا الثمرة في بحث الوجوب الغيري ، فناسب تأخيره عن بحث الامتناع ، وفي الحلقة الثالثة أبرزنا تعميم الامتناع للأوامر الغيرية ، فناسب تأخيره عن بحث الوجوب الغيري ، وهكذا جاء الترتيب بين المسائل مختلفاً في الحلقتين ؛ لنكتةٍ من هذا القبيل ، أو لنكاتٍ اخرى مقاربة.
سادساً : وجدنا أنّ تعدّد الحلقات شيء ضروريّ لتحقيق المنهج الذي رسمناه ؛ لأنّ إعطاء مجموع الكمّية الموزّعة للمسألة الواحدة في الحلقات الثلاث ضمن حلقةٍ واحدةٍ تحميل فجائيّ للطالب فوق ما يطيقه ، ويكون جزء من تلك الكمّية عادةً مبنيّاً على مسائل اخرى بعدُ لم يتّضح للطالب حالها ، بل إنَّا وجدنا أنّ تثليث الحلقات شيء ضروريّ أيضاً على الرغم من أنّ الحلقة الاولى يبدو أنّها ضئيلة الأهمّية ، وقد يتصوّر الملاحظ في بادئ الأمر إمكان الاستغناء عنها نهائياً ، ولكنّ الصحيح عدم إمكان ذلك ؛ لأنّنا بحاجةٍ ـ قبل أن نبدأ بحلقةٍ استدلاليةٍ تشتمل على نقضٍ وإبرام ـ إلى تزويد الطالب بتصوّراتٍ عن المطالب والقواعد الاصولية ؛ حتّى يكون بالإمكان في تلك الحلقة الاستدلالية أن نضمِّن استدلالنا ونقضنا وإبرامنا لهذه المسألة أو تلك ، هذا المطلب الاصولي أو ذاك ، ولهذا رأينا أن نضع الحلقة الاولى لإعطاء هذه