وأما ثانيا : فلاننا نفترض مثلا أن الملاك موجود فى تلك العبادة المحرمة ، ولكنها ما دامت محرمة ومبغوضة للمولى فلا يمكن التقرب بها نحوه ، ومعه لا تقع عبادة لتصح وتجزى عن الامر ، وهذا البيان يختص بالعبادات ولا يجرى فى غيرها.
وأما تحريم المعاملة فتارة يراد به تحريم السبب المعاملى الذى يمارسه المتعاملان ، وهو الايجاب والقبول مثلا ، واخرى يراد به تحريم المسبب ، أى التمليك الحاصل نتيجة لذلك.
ففى الحالة الاولى لا يستلزم تحريم السبب بطلانه وعدم الحكم بنفوذه ، كما لا يستلزم صحته ونفوذه ، ولا يأبى العقل عن أن يكون صدور شىء من المكلف مبغوضا للمولى ، ولكنه إذا صدر ترتب عليه بحكم الشارع أثره الخاص به كما فى الظهار ، فانه محرم ولكنه نافذ ويترتب عليه الاثر.
وفى الحالة الثانية قد يقال : إن التحريم المذكور يستلزم الصحة. لانه لا يتعلق إلا بمقدور ، ولا يكون المسبب مقدوراإلاإذا كان السبب نافذا ، فتحريم المسبب يستلزم نفوذ السبب وصحة المعاملة.
وينبغى التنبيه هنا على أن النهى فى موارد العبادات والمعاملات كثيرا ما يستعمل لا لافادة التحريم ، بل لا فادة مانعية متعلق النهى ، أو شرطية نقيضه ، وفى مثل ذلك لا إشكال فى أنه يدل على البطلان ، كما فى ( لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ) الدال على مانعية لبس ما هو مأخوذ مما لا يؤكل لحمه أو ( لا تبع بدون كيل ) الدال على شرطية الكيل ، ونحو ذلك ، ودلالته على البطلان باعتباره إرشاداإلى المانعية أو الشرطية ، ومن الواضح أن المركب يختل بوجود المانع أو فقدان الشرط ، ولا علاقة لذلك باستلزام الحرمة التكليفية للبطلان.