والاجتهاد بهذا المعنى يعتبر دليلاً من أدلّة الفقيه ومصدراً من مصادره ، فكما أنّ الفقيه قد يستند إلى الكتاب أو السنّة ويستدلّ بهما معاً كذلك يستند في حالات عدم توفّر النصّ إلى الاجتهاد الشخصيّ ويستدلّ به.
وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السنّي ، وعلى رأسها مدرسة أبي حنيفة. ولقي في نفس الوقت معارضةً شديدةً من أئمة أهل البيت عليهمالسلام والفقهاء الذين ينتسبون إلى مدرستهم.
وتتبّع كلمة « الاجتهاد » يدلّ على أنّ الكلمة حملت هذا المعنى ، وكانت تستخدم للتعبير عنه منذ عصر الأئمّة إلى القرن السابع ، فالروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام تذمّ الاجتهاد (١) ، وتريد به ذلك المبدأ الفقهيّ الذي يتّخذ من التفكير الشخصيّ مصدراً من مصادر الحكم ، وقد دخلت الحملة ضدّ هذا المبدأ الفقهيّ دور التصنيف في عصر الأئمّة أيضاً والرواة الذين حملوا آثارهم ، وكانت الحملة تستعمل كلمة « الاجتهاد » غالباً للتعبير عن ذلك المبدأ وفقاً للمصطلح الذي جاء في الروايات. فقد صنّف عبد الله بن عبد الرحمان الزبيريّ كتاباً أسماه « الاستفادة في الطعون على الأوائل والردّ على أصحاب الاجتهاد والقياس ». وصنّف هلال بن إبراهيم ابن أبي الفتح المدنيّ كتاباً في الموضوع باسم كتاب « الرّد على من ردّ آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول ». وصنّف في عصر الغيبة الصغرى أو قريباً منه إسماعيل بن علي بن إسحاق ابن أبي سهل النوبختي كتاباً في الردّ على عيسى بن أبان في الاجتهاد ، كما نصّ
__________________
(١) الوسائل / ج١٨ / ب ٦ من أبواب صفات القاضي.