للرب ، وجعلها من السنن المؤكدة ، وفيها منافع للظاهر والباطن ما لا يحصى لمن عقل ، فكما تزيل التلوث من أسنانك من مأكلك ومطعمك بالسواك ، كذلك فأزل نجاسة ذنوبك بالتضرع والخشوع والتهجد والاستغفار بالاسحار ، وطهر ظاهرك من النجاسات وباطنك من كدورات المخالفات وركوب المناهي كلّها خالصا لله ، فان النبي ( صلّى الله عليه وآله ) أراد باستعمالها مثلا لأهل التنبه واليقظة ، وهو ان السواك نبات لطيف نظيف ، وغصن شجر عذب مبارك ، والاسنان خلق خلقه الله تعالى في الفم ، آلة للأكل ، وأداة للمضغ ، وسببا لاشتهاء الطعام واصلاح المعدة ، وهي جوهرة صافية تتلوث بصحبة تمضيغ الطعام ، وتتغير بها رائحة الفم ، ويتولد منها الفساد في الدماغ .
فاذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف ، ومسحها على الجوهرة الصافية أزال عنها الفساد والتغيير ، وعادت الى أصلها ، كذلك خلق الله القلب طاهرا صافيا ، وجعل غذاءه الذكر والفكر والهيبة والتعظيم ، واذا شيب القلب الصافي بتغذيته بالغفلة والكدر صقل بمصقلة التوبة ، ونظف بماء الانابة ليعود على حالته الاولى ، وجوهريته الاصلية ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) .
وقال النبي ( صلّى الله عليه وآله ) : وعليكم بالسواك ، فان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر بالسواك في ظاهر الاسنان ، وأراد هذا المعنى والمثل ، ومن أناخ (٢) تفكره على باب عتبة العبرة في استخراج مثل هذه الامثال في الأصل والفرع ، فتح الله له عيون الحكمة والمزيد من فضله
__________________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٢ .
(٢) أناخ تفكره : مجاز يقصد به أنه استقر في تفكيره بهدوء على حالة معروفة فان الله تعالى يفتح أبواب بصيرته .