دهرنا فقال : « لا تسبّوه فإن له صحبة ، وسبّ معاوية بدعة ، ومن يبغضه فقد خالف السنّة » فزعمت أنّ من السنّة ترك البراءة ممّن جحد السنة ... اهـ » (١).
فهذا الجاحظ وهو المعروف بعثمانيته المتشدّدة جعل عام تولي معاوية الحكم ـ العام الّذي تحولت فيه الإمامة ملكاً كسروياً والخلافة منصباً قيصرياً ـ ولم يكن بدعاً في مقالته فقد سبقه عمر فكان إذا رأى معاوية قال : « هذا كسرى العرب » (٢) ، ولحقه آخرون قالوا بذلك ونحوه. وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك ، إلاّ أنّ الّذي دعاني إلى إعادة التذكير به هو ما قرأت حديثاً في كتاب ( أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ) تأليف الدكتور إبراهيم عليّ شعوط الاستاذ بجامعة الأزهر.
وهذا الكتاب شأن سائر الكتب فيه الغث والسمين ، إلاّ أنّ الغث غلب طبعه حتى نخر العثُّجذعه ، ولست بصدد بيانه في المقام ، غير أنّي رأيت المؤلف في ازدواجية معاييره بالنسبة إلى المصادر التاريخية يتبّع الهوى ويقلّد محبّ الدين الخطيب في تعليقاته على كتاب العواصم من القواصم لابن العربي المالكي ، وحال الجميع يعرف من دفاعهم المستميت عن معاوية وبني أمية. وقد بلغت القحة بشعوط في الفصل الخامس انكاره لعن معاوية للإمام عليّ على منابر بني أمية فقال : « لم يصح أبداً عن معاوية ( رضي الله عنه ) انّه سبّ عليّاً كرّم الله وجهه أو لعنه مرة واحدة ، فضلاً عن التشهير به على المنابر » (٣) ، وهذا من الغرابة بمكان!! فإنّ مسألة اللعن جازت الشهرة والتظافر إلى حد التواتر ، وما أكثر الشواهد المثبتة لذلك الحدث المهين المشين ، وقريباً مرّ بنا حديث ابن عباس مع معاوية في رفع الشتم
____________________
(١) راجع الرسالة الحادية عشرة في رسائل الجاحظ جمع السندوبي طبع مصر بمطبعة الرحمانية سنة ١٣٥٢ هـ.
(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٢٥.
(٣) أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ / ٢١٤ ط السادسة ١٤٠٨ هـ نشر المكتب الإسلامي.