حمزة ـ فجعل معاوية ( كان كاتب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منذ أسلم ) ، ومهما يكن فإنّ ذلك لا يدل على فضيلة لمعاوية بل هو يدل على مثلبة ، وإن حاول مسلم وجَرى من بعده على أن ينحتوا منه منقبة لمعاوية ، وقدّم لذلك مسلم بأحاديث ( فأيّما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة ) ، أو ( إنّما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً وزكاة وقربة تقرّبه بها منه يوم القيامة ) ، وبهذا اللون من الإسفاف ـ ولو على حساب كرامة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ جعلوا من دعاء الرسول على معاوية ( لا أشبع الله بطنه ) كرامة له وفضيلة.
ومن السخرية بعقول الناس ما قاله ابن كثير تعقيباً على الحديث المذكور بعد أن حكاه عن أحمد ومسلم والحاكم وذكر في آخره : فما شبع بعدها. فقال : « وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه ، أمّا في دنياه فإنّه لمّا صار إلى الشام أميراً كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ، ويقول والله ما أشبع وإنّما أعيا وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كلّ الملوك (؟!). وأمّا في الآخرة فقد اتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الّذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : ( اللّهمّ إنّما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس بذلك أهلاً فاجعل ذلك كفّارة وقربة تقرّبه بها عندك يوم القيامة ) فركّب مسلم من الحديث الأوّل وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك ». انتهى ما عند ابن كثير من التعقيب.