قلت ـ والقائل هو الذهبي ـ هذا ما صحّ والتأويل ركيك ، وأشبه منه قوله ( عليه السلام ) : ( اللّهمّ من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة ) ، أو كما قال : وقد كان معاوية معدوداً من الأكلة » (١). انتهى ما عند الذهبي في المقام بنصّه وفصّه.
لكن الألباني تلاعب بالنص على ما فيه من هنات فقد أورد الحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشرّق وغرّب إلى أن حكى عن النووي ما ذكرناه آنفاً ، ثمّ قال بعده بلا فصل : « وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني ، فقال في سير أعلام النبلاء ( ٩ / ١٧١ / ٢ ) : قلت : لعل أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : اللّهمّ من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة » (٢).
فقارن الآن بينه وبين ما نقلناه حرفياً عن الذهبي لتعرف مدى الخيانة ممّن يزعم لنفسه الأمانة.
ومع ذلك فقد تحامل ـ الألباني بغير حقّ ـ على من أنكر حديث : ( اللّهمّ من سببته ) لمسّه بكرامة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حين يكون سبّه بغير حقّ وجلده بغير حقّ وقتله بغير حقّ (٣) ، اللّهمّ غفرانك إن هذا إلاّ بهتان عظيم.
ولم يكن الألباني بدعاً في قومه ، فكم له من نظير استحوذ عليهم حبّ معاوية ، ففتشوا له عن منقبة فلم يجدوا ، فصاروا يقلبون المفاهيم فجعلوا من المثالب مناقب ، والدعاء عليه دعاءً له ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٤) فهم ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) (٥) ( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٦).
____________________
(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ط دار الفكر بيروت.
(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم / ٨٢.
(٣) سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم / ٨٤.
(٤) الحج / ٤٦.
(٥) المائدة / ١٣.
(٦) البقرة / ٧٩.