فإنّ ابن عباس روى أيضاً أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : ( آفة الدين ثلاثة : فقيه فاجر ، وإمام جائر ، ومجتهد جاهل ) ، وفي قول ابن عباس ـ لو صح الخبر ـ دعه ، ما يدل على سخريته بمعاوية لمخالفته السنّة ، ولو لم يكن كذلك لأمره بالاقتداء به.
وتعقيباً منا على ما نسب إليه أيضاً من تبرير عمل معاوية بأنّه صحب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهذه الشهادة أيضاً يبطلها تقسيم ابن عباس نفسه للصحابة ، فقد كان له رأي في تقسيمهم ، ذكرناه في الجزء الأوّل حيث قال : « ترك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الناس يوم توفي على أربع مراتب ( منازل ) » فراجع. ونضيف إليه هنا ما روي عنه في تقييمهم وقد قاله لمعاوية : « يا معاوية إنّ الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، خصّ نبيّه محمداً صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بصحابة آثروه على الأنفس والأموال ، وبذلوا النفوس دونه في كلّ حال ، ووصفهم في كتابه فقال : ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (١) الآية ، قاموا بمعالم الدين ، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين ، حتى تهذّبت طرقه ، وقويت أسبابه ، وظهرت آلاءُ الله ، واستقرّ دينُه ، ووضحت أعلامه ، وأذلّ الله بهم الشرك ، وأزال رؤوسه ، ومحا دعائمه ، وصارت كلمة الله العليا ، وكلمة الّذين كفروا السفلى ، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية ، والأرواح الطاهرة العالية ، فقد كانوا في الحياة لله أولياء ، وكانوا بعد الموت أحياء ، وكانوا لعباد الله نصحاء ، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها ، وخرجوا من الدنيا وهم بعدُ فيها.
فقطع عليه معاوية الكلام وقال : إيها يا بن عباس حديثاً في غير هذا » (٢).
____________________
(١) الفتح / ٢٩.
(٢) مروج الذهب ٣ / ٦١ ـ ٦٢ ط عبد الحميد.