فهل كان ابن عباس يرى معاوية ممّن حظي بشرف الصحبة ، ومن حظي بهما فلا يُسأل عمّا فعل كما هو رأي علماء التبرير؟! اللّهمّ لا ، لأنّه قد لعنه في يوم عرفة على ملأ من المسلمين لأنّه ترك التلبية ، وهو بالأمس قد حاربه في صفين وهو لا يزال يروي فيه ما سمعه من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من لعنه والدعاء عليه. فكيف نصدّق برواية البخاري الّتي فيها أكثر من ملاحظة!
والأعجب عندي من ذلك رواية هذا الخبر عند الشافعي في مسنده فرواه بإسناده إلى كريب مولى ابن عباس : « أنّه رأى معاوية صلّى العشاء ثمّ أوتر بركعة واحدة لم يزد ، فأخبر ابن عباس ، فقال : أصاب ، وأي بنيّ ليس أحدٌ منا أعلم من معاوية ، هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر ... اهـ » (١)!!
وهذه الشهادة بالأعلمية أفظع وأفضح المفتريات على ابن عباس ، فقد استعر أوار المزايدات المناقبية في هذا الخبر عند الشافعي ، ولست أدري كيف لم يذكرها ابن حجر وهو المتهالك على جمع الرمّ والطمّ لمعاوية؟ ولعله رآها فلم يعتن بها لوضوح كذبها. وما أدري ما جواب الشافعي والبخاري وأضرابهما ممّن روى المفتريات على ابن عباس في حقّ معاوية عمّا رواه ابن عباس من لعن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمعاوية وعمرو بن العاص عندما سمعهما يغنّيان (؟)
فقد أخرج الطبراني في المعجم قال : « حدّثنا أحمد بن عليّ الجارودي الاصبهاني ، ثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، ثنا عيسى بن سوادة النخعي عن ليث عن طاووس عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : سمع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) صوت رجلين يغنّيان وهما يقولان :
ولا يزال حواريٌ يلوحُ عظامُه |
|
زوى الحربُ عنه أن يُجَنَّ فيقبرا |
____________________
(١) مسند الشافعي ١ / ١٠٨.