وقال ابن حجر في الإصابة : « وتزوج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ابنته أم حبيبة قبل أن يسلم ، وكانت أسلمت قديماً وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فمات هناك » (١).
وقد تهالك ابن حجر في تبرير ما وقع عند مسلم حتى أنّه رد على ابن الأثير قوله : « وهو وهم من بعض الرواة » ، فقال : « وفي جزمه بكونه وهماً نظر ، فقد أجاب بعض الأئمّة باحتمال أن يكون أبو سفيان أراد تجديد العقد » (٢)؟!!
فاقرأ واضحك على ذقن ذلك البعض ، فأي تجديد عقد لنكاح صحيح وقع قبل عامين؟ وليتني أدري كيف سوّغ ابن حجر لنفسه أن يكتب ذلك وهو نفسه ذكر : « أنّه لا خلاف أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) دخل على أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان » ثمّ ساق عن ابن سعد قصة دخول أبي سفيان المدينة قبل إسلامه ، ليزيد في مدّة الهدنة ، فدخل على ابنته أم حبيبة فطوت فراش رسول الله دونه لئلا يجلس عليه فقال لها : يا بنيّة أرغبتِ بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأنت أمرؤ نجس مشرك ، فقال : لقد أصابكِ بعدي شرّ » (٣).
وبعد هذا العرض السريع لملابسات رواية مسلم هل علينا إثم لو رددناها وقلنا لا تصح نسبتها إلى ابن عباس فإنّه أوعى وأورع من أن يروي ما لا يصح؟
وقد أدرك شرّاح صحيح مسلم ما في هذه الرواية من هنات وقذاة فأربكهم إيرادها في الصحيح ، وهم لا يريدون أن ينزلوه من برجه العاجي ويجعلوه كسائر الكتب لداته يؤخذ منه ويترك. كما لم يمكنهم أن يمروا على الرواية بسلام ويعني ذلك تصديقهم لما هو بيّن الإفتراء ، فخاضوا مخاضاً عسيراً
____________________
(١) الإصابة ( ترجمة أبي سفيان صخر بن حرب ) ٢ / ١٧٢.
(٢) نفس المصدر ٤ / ٢٩٩.
(٣) نفس المصدر.