قال ابن حجر المكي : « وقوله : ولولا هواي ... الخ ، فيه غاية التسجيل على نفسه بأن مزيد محبته ليزيد أعمت عليه طريق الهدى ، وأوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى ، لكنه قضاء انحتم ، وقدر انبرم ، فسلب عقله الكامل ، وعلمه الشامل ، ودهاءه الّذي كان يضرب به المثل ، وزيّن له من يزيد حسن العمل وعدم الانحراف والخلل ، كلّ ذلك لما أشار إليه الصادق المصدوق ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أنّه إذا أراد الله انفاذ أمره سلب ذوي العقول عقولهم حتى ينفذ ما أراده تعالى ، فمعاوية معذور فيما وقع منه ليزيد ، لأنّه لم يثبت عنده نقص فيه. بل كان يزيد يدس على أبيه من يحسّن له حاله حتى اعتقد انّه أولى من أبناء بقية أولاد الصحابة كلّهم ، فقدّمه مصرّحاً بتلك الأولوية الّتي تخيلها ممّن سلّط عليه ليحسّنها له واختياره للناس على ذلك ، إنّما هو لظن أنّهم إنّما كرهوا توليته لغير فسقه من حسد أو نحوه ، ولو ثبت عنده أدنى ذرة ممّا يقتضي فسقه بل واثمه لم يقع منه ما وقع ، وكلّ ذلك دلّت عليه هذه الكلمة الجامعة المانعة وهي قوله : ولولا هواي في يزيد أبصرت قصدي ... » (١).
أقول : اللّهمّ احفظ على أمة محمّد نبيّك عقولها ليميّزوا بين الحقّ والباطل ، ولا تجعله عليهم متشابهاً فيهرفوا مثل ابن حجر الهيتمي دفاعاً عن معاوية وبوائقه ، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه المنزل على نبيّه المرسل : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (٢) ، وابن حجر محبّر يقول بالجبرية كما حكى الله سبحانه وتعالى عنهم بقوله : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا
____________________
(١) تطهير الجنان واللسان / ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٢) الإنسان / ٣.