قال فيها : ( أيّها الناس إنّي خلفت فيكم الثقلين (١) : كتاب الله وعترتي وأرومتي ، ومزاج مائي وثمرتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم به المودة في القربى ، فانظروا لا تلقوني على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتموهم ، ألا وإنّه سترد عليَّ في القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة :
راية سوداء ... ثمّ ترد عليّ راية أخرى أشد سواداً من الأولى ... ثمّ ترد عليَّ راية أخرى تلمع نوراً ... ألا وإنّ جبرئيل قد أخبرني بأنّ أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء ، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدهر ). قال ابن عباس : « ثمّ نزل عن المنبر ، ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلاّ وتيقن بأن الحسين مقتول ... » (٢).
ولقد ازداد علماً على علم ويقيناً على يقين حين مرّ وهو مع الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بكربلاء في طريقه إلى صفين ، وحديثه كما رواه الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسنده عن مجاهد ـ وكلّ رواته من العامة ـ عن ابن عباس قال : « كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خرجته إلى صفين ، فلمّا نزل نينوى وهو شط الفرات صاح بأعلا صوته : يا بن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قال : قلت : ما أعرفه يا أمير المؤمنين. قال : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال : فبكى طويلاً حتى اخضلت لحيته ، وسالت على خديه ـ وبكينا معه ـ وهو يقول :
____________________
(١) من الأحاديث المتواترة قد رواه أكثر من أربعين صحابياً ، وقد قاله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في أكثر من موقف وخطبة وقد أحصيت المناسبات في رسالتي عن الحديث المذكور فكانت ستاً ، أولها يوم الطائف ثمّ يوم عرفة في حجة الوداع ثمّ في مسجد الخيف بمنى ، ثمّ يوم الغدير ثمّ في المدينة قبل موته ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأيام يسيرة ، وآخرها في حجرته وقد غصت بأصحابه.
(٢) تاريخ ابن أعثم الكوفي ٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨ ط دار الندوة ، وعنه الخوارزمي في مقتل الحسين ١ / ١٦٢ ط الزهراء في النجف الأشرف.