لا تستعصي الإجابة على الأوّل منهما بقدر ما تستعصي الإجابة على الثاني منهما. وكلاهما سؤال وجيه ويفرض نفسه ، وقد طرحا ـ وخصوصاً الأوّل ـ قديماً ، وأجيب عنه بجوابات مختلفة جلّها تحمل طابع التعذير فترفع إصر التقصير.
ومهما يكن الأمر فإنّ بعض أعلام المتأخرين قد اتخذ من تخلف ابن عباس ذريعة للنيل منه ، ووسيلة طعن فيه بل في بقية بني هاشم بما فيهم محمّد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر وأضاف إليهم ابن عمر وابن الزبير وآخرين ، وقد ذكرت مقالته وأجبت عن بعض مؤاخذاته على ابن عباس وابن الحنفية وابن جعفر ، وسوف يأتي ذلك في الحلقة الرابعة من الموسوعة ( عبد الله بن عباس في الميزان ) ولربّما استعجلنا القارئ بالجواب ولو باختصار :
فنقول له في جواب السؤال الأوّل : لماذا تخلف ابن عباس عن الخروج مع الحسين ( عليه السلام )؟
إعلم إنّ ابن عباس كان يومئذ مكفوف البصر ، وعن مثله يسقط التكليف بالجهاد ، على أنّه قد مرّ بنا في أولى محاوراته قوله للحسين ( عليه السلام ) بعد كلام جرى بينهما : « جعلت فداك يا بن بنت رسول الله كأنك تنعى الي نفسك وتريد مني أن أنصرك فوالله الّذي لا إله إلاّ هو لو ضربت بين يديك بسيفي حتى ينقطع وتنخلع يداي جميعاً من كتفي لما كنت ممّن أوفى من حقك عشر العشير ، وها أنا بين يديك فمرني بأمرك.
فقال ابن عمر ـ وكان حاضراً ـ : مهلاً ذرنا من هذا يا بن عباس ».
وأحسبه إنّما قال ذلك خشية أن يحرج هو ليقول مثل مقالة ابن عباس ، بينما هو ممّن يرى مسالمة يزيد بالبيعة ، بل ودعا الحسين إلى المصالحة معه. كما أنّي لا أستبعد أن يكون غرض ابن عباس من كلامه كان استدراج ابن عمر إلى بذل