طرفاً مستهدفاً لكل من الأمويين وابن الزبير ، كلٌ يبتغي جرّهم إلى صفّه ، ويصانعهم الودّ حيناً ، ويراوغهم أحياناً ، ويكاشفهم العداء بالتالي ، ولكنهم لم يستجيبوا لرغبة ولم ينساقوا لرهبة ، فقد اتخذ ابن عباس ومعه ابن الحنفية موقفاً صلباً في الحياد ، وإن بلغ تشنّج الحاكمين حدّ الوعيد ، فسكنى ابن عباس بمكة يسّرت له الإشراف على شؤون السقاية الّتي كانت تهمه كثيراً ، لما يرى من فضل زمزم حتى انّه كان إذا أراد أن يتحف رجلاً بتحفة سقاه من زمزم (١) والرفادة عن قرب ، وله في المدينة بقية أهله ، ولمّا بلغته أخبار المدينة في تحالف الأنصار وقريش في وقعة الحرة لم يكن متفائلاً بنجاح أهلها لأنّهم أمّروا عليهم أميرين : عبد الله بن مطيع العدوي على قريش وعبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة على الأنصار. ولمّا وقعت الواقعة « وكانت وقعة عظيمة قتل فيها خلق كثير من الناس ومن بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس ، فممّن قتل من آل أبي طالب ابنان لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب (٢) ولجعفر بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب ، ومن
____________________
(١) ذكر أخبار أصبهان ١ / ٣٣٣.
(٢) لم يذكر المؤرخون اسمهما إلاّ ان الفسوي في المعرفة والتاريخ ذكر بسنده خبراً عن واهب بن عبد الله المعافري قال : قدمت المدينة فأتيت منزل زينب بنت فاطمة بنت عليّ لأسلّم عليها ، فدخلت عليها الدار فإذا عندها جماعة عظيمة واذا هي جالسة مسفرة ، واذا امرأة ليست بالحليلة ولم تطعن بالسنّ ، فاحتملتني الحمية والعفّة لها فقلت : سبحانك الله ، قدركِ قدركِ وموضعكِ موضعكِ وأنت تجلسين للناس كما أرى مسفرة؟
فقالت : إن لي قصة ، قال قلت وما تلك القصة؟
فقالت : لمّا كان ايام الحرة ووفد أهل الشام المدينة وفعلوا فيها ما فعلوا ، وكان لي يومئذ أبن قد ناهز الاحتلام ، قالت : فلم أشعر به يوماً وأنا جالسة في منزلي إلاّ وهو يسعى وبسر بن أبي أرطاة خلفه حتى دخل عليّ ّ ، فألقى نفسه عليّ وهو يبكي يكاد البكاء أن يفلق كبده ، فقال لي بسر : إدفعيه إليّ فأنا خير له قالت : فقلت له اذهب مع عمك ، قالت :