وروى ابن سعد بسنده عن عطية العوفي قال : « لمّا وقعت الفتنة بين عبد الله ابن الزبير وبين عبد الملك بن مروان ، ارتحل عبد الله بن عباس ومحمّد بن الحنفية بأولادهما ونسائهما حتى نزلوا مكة ، فبعث عبد الله بن الزبير اليهما تبايعان فأبيا وقالا : أنت وشأنك لا نعرض لك ولا لغيرك ، فأبى وألحّ عليهما إلحاحاً شديداً وقال لهما فيما يقول : والله لتبايُعنّ أو لأحرقنّكما بالنار ، فبعث أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة وقالا : إنا لا نأمن هذا الرجل ، فمشوا في الناس ، فانتدب أربعة آلاف فحملوا السلاح حتى دخلوا مكة فكبّروا تكبيرة سمعها أهل مكة ، وابن الزبير في المسجد فانطلق هارباً حتى دخل دار الندوة ، ويقال : تعلّق بأستار الكعبة وقال : أنا عائذ الله.
قال : ثمّ ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما وهم في دور قريب من المسجد قد جمع الحطب فأحاط بهم حتى بلغ رؤوس الجُدر ، لو أنّ ناراً تقع فيه ما رؤي منهم أحد حتى تقوم الساعة ، فأخّرناه عن الأبواب ، وقلنا لابن عباس : ذرنا نريح الناس منه ، فقال : لا هذا بلد حرام ، حرّمه الله ما أحلّه لأحد إلاّ للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ساعة ، فامنعونا وأجيرونا ، قال : فتحمّلوا وإن منادياً ينادي في الجبل : ما غنمت سرية بعد نبيّها ما غنمت هذه السرية ، وإن السرايا تغنم الذهب والفضة ، وإنّما غنمتم دماءنا ، فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى فأقاموا ما شاء الله ، ثمّ خرجوا بهم إلى الطائف » (١).
وعندي هذا الإخراج هو الثاني ، وفيه كان كلام ابن عباس مع ابن الزبير فيما أرى ، فقد روى البلاذري في الأنساب : « قالوا : ولمّا أخرج عبد الله بن الزبير محمّد بن الحنفية عن مكة أغلظ له ابن عباس وقال له : أتخرج بني عبد المطلب عن حرم الله وهم أحق به منك؟! فقال : وأنت أيضاً فالحق به » (٢).
____________________
(١) الطبقات الكبرى ( ترجمة ابن عباس ) / ١٨٧ تح ـ السلمي.
(٢) أنساب الأشراف ( ترجمة ابن عباس ) برقم / ١٢٢.