وذكر السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى في حديثه عن مسجد النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بالطائف فقال : « قال المطري : وهو جامع كبير فيه منبر عالٍ عمل في أيام الناصر أحمد بن المستضيء. وفي ركنه الأيمن القبلي قبر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب في قبّة عالية ...
قلت ـ والقائل هو السمهودي ـ قال التقي الفاسي : إنّ المسجد الّذي ينسب للنبيّ صلّى الله عليه و ( آله ) وسلّم هناك في مؤخر المسجد الّذي فيه قبر عبد الله ابن عباس ، لأن في جداره القبلي من خارجه حجراً فيه : أمرت أم جعفر ... » (١).
ومهما يكن فقد بقي قبره مشيداً معموراً مقصوداً بالزيارة ، فقد زاره هياج الفقيه (٢) مفتي مكة في القرن الخامس الهجري ، وأرخ زيارته ابن الجوزي في المنتظم وابن القيسراني في الأنساب المتفقة (٣).
وبقي مزاراً يتبرّك به ويتوسل إلى الله تعالى بصاحبه في قضاء الحوائج ، حتى أنّ الشيخ يوسف بن عبد الكريم الأنصاري المدني الحنفي المتوفى سنة ١١٧٧ هـ والمترجم في سلك الدرر ، زاره وتوسّل به فاستجيبت دعوته وقضيت حاجته فقال ممتدحاً له :
____________________
(١) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ٢ / ١٨٥ ط مصر سنة ١٣٢٧ هـ.
(٢) قال ابن القيسراني في الأنساب المتفقة / ٤٣ ـ ٤٤ الفقيه الزاهد أبو محمّد هيّاج بن عبيد الحطيني المقيم بالحرم سمع من أبي الفرج النحوي ببيت المقدس وجماعة من مشايخ الشام ومصر والعراق ، وانتخب له أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي. وكان هياج أوحد عصره في الزهد والورع ، كان يصوم ويفطر بعد ثلاث ، ويعتمر كلّ يوم ثلاث عُمَر ، ويدرّس عدة من الدروس ، ولم يكن يدّخر شيئاً ولا يملك غير ثوب واحد ، وكان قد نيّف على الثمانين ، يزور رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في كلّ سنة ماشياً حافياً ، ويزور كذلك عبد الله بن عباس بالطائف ، وكان يأكل بمكة أكلة ، وبالطائف أخرى ، استشهد بمكة في وقعة وقعت بين أهل السنة والرافضة ، فحمله أميرها محمّد بن أبي هاشم. وضربه ضرباً شديداً على كبر السنّ ، ثمّ حُمل إلى منزله بمكة فمات وذلك سنة ٤٧٢.
(٣) الأنساب المتفقة / ٤٤.