ولا تزال الأمة العربية تفخر بأجوادها ، وتذكر المستجاد من فعلاتهم ، وحسبك شهرة حاتم الطائي الّذي صار مضرب المثل فقالوا في المبالغة ( الكرم الحاتمي ).
أمّا أجواد الإسلام المعدودين من بعد المعصومين ( عليهم السلام ) فقد كان ابن عباس في رأس قائمة المعدودين كما ذكره السيوطي في كتابه الكنز المدفون (١) ، وكان يسمّى لفرط سخائه ( معلّم الجود ). وليس في ذلك من مبالغة ما دام هو أوّل من وضع موائد الطعام في الطرقات للناس ، ولم يكن يَعُد إلى رفعه (٢) ، وكان ما يصرفه على الناس في كلّ يوم عطاءً وغذاءً خمسمائة دينار (٣). ولمّا كان أخوه عبيد الله كذلك سخياً فقد قالوا : وكان ينحر كلّ يوم جزوراً في مجزرته فيقسمها ، وبه سميت مجزرة ابن عباس ، فغلت الجُزر حتى بلغت خمسة عشر ديناراً وعشرين ديناراً (٤) ، فقد اختلطت أخبارهما على الرواة ، وفي تشابه الإسمين خطاً ما يساعد على ذلك ، فلهذا سنقف على بعض أخبار عبد الله في الجود منسوبة إلى أخيه عبيد الله ونشير في الهامش إلى ذلك.
ولا أجانب الصواب إذا ما قلت إنّ شهرة ابن عباس العلمية هي أيضاً غطّت على بقية صفاته ومكارم أخلاقه ، فلم يخلص إلينا منها إلاّ القليل ، أو ليس هو القائل : « سادات الناس في الدنيا الأسخياء ، وفي الآخرة الأتقياء ».
____________________
(١) الكنز المدفون / ١٢٢.
(٢) المستظرف للأبشيهي ١ / ١٨٢ ، وذكر ابن عبد ربه ذلك ونسبه إلى أخيه عبيد الله ، راجع العقد الفريد ١ / ١٤٨ ، وزهر الربيع / ٣٢٦ ط بمبئ سنة ١٣٤٢ هـ.
(٣) أنظر مشكوة الأدب للناصري / ٩٥.
(٤) الطبقات الكبرى ٦ / ٤٦٩ ط الخانجي بمصر.