أقول : وهذا منسوب إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كما في محاضرات الراغب ، وليس من شك أنّ علم ابن عباس كان منه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومن ابن عمه أمير المؤمنين ، فعنهم أخذ ومن بحرهم اغترف وارتوى فأفاض على الناس من نميره.
وقد يتخيّل البعض أنّ أحاديث سخائه ممّا نمقته الأقلام أيام حكومة العباسيين تزلّفاً إلى أبنائه ، ولكن إذا قرأنا جملة من أخباره نجد الشواهد تثبت بيقين أريحيته الّتي كان عليها يستروح للندى على سعة من خلقه ، كما كان بحراً في علمه الّذي طما على باقي صفاته.
فإلى بعض الشواهد :
١ ـ ذكر القاضي التنوخي في كتابه المستجاد من فعلات الأجواد : « أنّ رجلاً أراد أن يؤذي عبد الله بن عباس بمضارّته ، فأتى وجوه البلد وهم جلوس في فضاء الكعبة وقال : يقول لكم ابن عباس : تغدوا اليوم عندي ، فلمّا صار وقت الغداء أتوه فملأوا الدار فقال : ما هذا؟ فأخبروه الخبر ، فرحّب بهم وتباشر بذلك وعظم سروره ، فأمر قوماً من مواليه أن تشتري الفواكه في الوقت ، وأمرقوما بالخبز والطبخ وقوماً لتهيئة الطعام ، فأصلح القِرى وقدّم الفاكهة لهم ، فما فرغوا من أكلها حتى قدّمت الموائد فأكلوا وانصرفوا ، ولمّا فرغ قال لوكلائه : أموجود هذا كلّ يوم إذا أردناه؟ قالوا : نعم ، قال : فليتغد هؤلاء كلّهم كلّ يوم عندنا » (١).
٢ ـ ذكر الأبشيهي في المستظرف ومثله في أسرار البلاغة بهامش المخلاة : « أنّ رجلاً من الأنصار أتاه وقال له : يا بن عم رسول الله انّه ولد لي في هذه الليلة
____________________
(١) المستجاد من فعلات الأجواد / ١٦ تح ـ محمّد كرد عليّ ط الترقي بدمشق سنة ١٣٦٥ ، وذكر ذلك الرشيد الوطواط في غرر الخصائص / ٧٣ ، والطرطوشي في سراج الملوك / ١٧٨ ، والناصري في مشكوة الأدب / ٩١٤.