قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير بن بكار وغيرهم : ثمّ التفت ابن عباس إلى ابن أبي ربيعة فقال : أنشدنا ، فأنشده : تشط غداً دار جيراننا. وسكت ، فقال ابن عباس : وللدار بعد غدٍ أبعد ، فقال له عمر : والله كذلك قلت أصلحك الله أفسمعته؟ قال : لا ، ولكن كذلك ينبغي أن يكون كذلك.
وفي آخر حديث الزبير : إنّ ابن عباس كان كثيراً ما يقول بعد ذلك : هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة فقال : إنّها ( أمن آل نعم ) يستجيدها (١).
٢ ـ مع الحطيئة في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة :
روى أبو الفرج الأصبهاني في كتابه الأغاني بسنده قال : « بينا ابن عباس جالس في مجلس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعد ما كفّ بصره ، وحوله ناس من قريش ، إذ أقبل أعرابي يخطر وعليه مطرفة خزّ وجبّة وعمامة خزّ ، حتى سلّم على القوم ، فردّوا عليه السلام فقال : يا بن عم رسول الله أفتني ، قال : فيماذا؟ قال : أتخاف عليّ جناحاً إن ظلمني رجل فظلمته وشتمني فشتمته ، وقصّر بي فقصّرت به؟
فقال ابن عباس : العفو خير ، ومن انتصر فلا جناح عليه.
فقال : يا بن عم رسول الله ، أرأيت أمرؤاً أتاني فوعدني وغرّني ومنّاني ، ثمّ أخلفني واستخف بحرمتي أيسعني أن أهجوه؟
____________________
(١) قارن نهاية الارب للنويري ٧ / ١٣٨ ط دار الكتب ، والعمدة لابن رشيق ٢ / ٣١ ، وبدائع البدائه لابن ظفر المكي / ٣٤ ، وإنّما استنكر نافع سماع ابن عباس للقصيدة لأنّه فيما أرى انطلاقاً من مبدء الخوارج في التقشف الجاف لما في القصيدة من تصوير لمتعة ليلية يمسيها عمر بن أبي ربيعة مع فتيات غامر معهن حتى الصباح على غير إثم حرام؟ ثمّ ينشدها في المسجد الحرام لابن عباس وهو في شرفه وعلمه وسنه ، ثمّ ابن عباس يحفظها ويرويها ، فذلك ما حدا بنافع بن الأزرق إلى تحوير في مطلعها مستنكراً بما يلائم مبدأه ، لكن ابن عباس رفض ذلك وصحّح المعلومة ، ولعله أراد أن يشعره بأنه من اللهو المباح والخيال الّذي لا يتعدى عفة النفس وفسق الألسن.