وحده ، وهذا ما لمسناه في صَلاته وصِلاته ، وفي أسرته وفي أمّته ، وذلك هو منهج الإسلام الّذي كان هو أحد سدنته ، وحاملي رسالته.
ونعود إلى ذكر الشواهد الّتي ألمحنا إليها وانّها قد تغاير ما يألفه الناس ، فمثلاً عندما نصفه بالزهد ، وقد عرف الناس الزاهد مَن كان معرضاً عن الدنيا ولذائذها وطيبات الحياة ، واكتفى بلبس المسوح والصوف ، بينما كان ابن عباس يلبس الرداء وقد اشتراه بألف (١). فأين منه الزهد الّذي يعرفه الناس؟ لكننا إذا تأمّلنا قوله : « لأن أرقّع ثوباً فألبسه فيرفعني عند الله أحبّ إليَّ من أن ألبس ثياباً تضعني عند الخالق وترفعني عند المخلوقين » (٢). فالميزان عنده ليس هو لبس الثياب ، بل هو الرفعة عند الله تعالى لينال بها الثواب ، وهنا أدركنا معنى الزهد الحقيقي الّذي كان يعمر قلبه.
ونزداد إيماناً بذلك حين نقرأ قوله الآخر : « كلّ ما شئت وألبس ما شئت إذا ما أخطأك اثنتان إسراف ومخيلة » (٣).
وقوله الثالث : « ثلاث من كنّ فيه فقد استحق ولاية الله ، حلم أصيل يدفع به سفه السفيه ، وورع يمنعه عن المعاصي ، وحسن خلق يداري به الناس » (٤).
وقوله الرابع : « من لم تكن فيه ثلاث خصال فلا توافه : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يطرد به فحشه ، وخلق يعيش به » (٥).
____________________
(١) أنظر العقد الفريد ١ / ٣٢٨ ، وربيع الأبرار باب اللباس والحلي.
(٢) أنظر اللمع في التصوف / ١٣٦.
(٣) أنظر عيون الأخبار لابن قتيبة ٣ / ٢٩٦ ، ربيع الأبرار للزمخشري باب اللباس والحلى ، محاضرات الراغب ١ / ٣٠٠ و ٢ / ١٥٦.
(٤) أنظر نزهة المجالس للصفوري ١ / ١٧٥ ط مصر.
(٥) أنظر المجتنى لابن دريد / ٦٤ ط حيدر آباد.