وهذا جميعه يلقي الضوء على منهجه المستقيم في الحياة.
وما أبلغ كلمته في الغيرية القائمة على مبادئ الإسلام القيمة حين يقول لرجل وقد سبّه : « أتسبّني وفيَّ ثلاث خصال » وقد مرّت في أوّل شواهد سلوكه مع الناس ، كما أنّه ليس دونها قوله : « لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله ، أحبّ إليَّ من حجة بعد حجة ، ولطبق بدانق أهديه إلى أخ لي في الله ( عزّ وجلّ ) أحبّ إليَّ من دينار أنفقه في سبيل الله ( عزّ وجلّ ) » (١).
ونكتفي بهذه الشواهد للتدليل على سلوكيته في نفسه ومع غيره ، وأنّها قائمة على مبادئ الإسلام ، وأخرى لم نأتِ عنه بفلسفة جدلية يصعب فهمها ، إنّما الّذي ذكرناه يندر ويصعب وجدانه عند الكثير من الناس.
ولو تدبرنا كلمته في أساس الدين ، عرفنا مبلغ علمه وكمال عقله ومنتهى بصيرته في سلوكه ، فقد قال : « أساس الدين على العقل ، وفرضت الفرائض على العقل ، وربّنا يعرف بالعقل ، ويتوسّل إليه بالعقل ، والعاقل أقرب إلى ربّه من جميع المجتهدين بغير عقل ، ولمثقال ذرّة من برّ العاقل أفضل من جهاد الجاهل ألف عام » (٢).
أمّا إذا أردنا الإلمام بملامح دالة على ورعه وتقواه وانحاء عبادته فعلينا أن نقرأ أوّلاً بعض أقوال معاصريه ومنهم بعض تلامذته الّذين هم أكثر الناس إحاطة وخبرة بأحواله في سفره وحضره.
١ ـ عن ابن أبي مليكة قال : « صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة ، وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتّل القرآن
____________________
(١) أنظر حلية الأولياء لأبي نعيم ١ / ٣٢٨ ، وصفوة الصفوة ١ / ٣١٨.
(٢) روضة الواعظين للفتال / ٩.