لئن انخدعت لكم في مالي ، وذللت لكم في عرضي ، أرى انخداعي كرماً ، وذلّي حلماً ، ولو وليتمونا رضينا منكم بالانتصاف ، ولا نسألكم أموالكم ، لعلمنا بحالنا وحالكم ، ويكون أبغضها الينا وأحبّها اليكم أن نُعفيكم.
فقال ابن عباس : لو ولينا أحسنا المواساة ، وما ابتلينا بالأثرة ، ثمّ لم نغشم الحي ، ولم نشتم الميت ، ولستم بأجود منا أكفّاً ، ولا أكرم أنفساً ، ولا أصون لأعراض المروءة ، ونحن والله أعطى للآخرة منكم للدنيا ، وأعطى في الحقّ منكم في الباطل ، وأعطى على التقوى منكم على الهوى ، والقسَم بالسويّة والعدل في الرعية يأتيان على المُنى والأمل ، ما رضاكم منّا بالكفاف! فلو رضيتم به منا لم ترض أنفسنا به لكم ، والكفاف رضا مَن لا حقّ له ، فلا تُبخلّونا حتى تسألونا ، ولا تلفظونا حتى تذوقونا ... تهـ » (١).
ولم تقف خطوات معاوية عند هذا الحد ، بل بدأ يحاور ويناور ، عسى أن يتم له الأمر بأقل جهد ، فسافر إلى الحجاز وقرر الاجتماع بالعبادلة الأربعة وهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فدعاهم وذكر لهم مهمته الّتي من أجلها أتاهم. ولنترك الحديث لابن قتيبة فقد قال في كتابه الإمامة والسياسة ( قدوم معاوية المدينة وما فوّض ( فاوض ) فيه العبادلة ) :
« قالوا : فاستخار الله معاوية وأعرض عن ذكر البيعة حتى قدم المدينة سنة خمسين ، فتلقاه الناس ، فلمّا استقر في منزله ، أرسل إلى عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وإلى عبد الله بن عمر وإلى عبد الله بن الزبير ، وأمر حاجبه
____________________
(١) العقد الفريد ٤ / ٨ تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.