الجري مسخ ، فقال : « مكانكم حتى أخرج إليكم » فتناول ثوبه ثم خرج إليهم فمضى حتى انتهى إلى الفرات بالكوفة ، فصاح : « يا جري » فأجابه : لبيك لبيك ، فقال : « من أنا ؟ » قال : أنت إمام المتقين وأمير المؤمنين ، فقال له أمير المؤمنين : « فمن أنت ؟ » فقال : أنا ممن عرضت عليه ولايتك ، فجحدتها ولم أقبلها ، فمسخت جرياً ، وبعض هؤلاء الذين معك يمسخون جرياً ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « فبين قصتك ، وممن كنت ، ومن(١) مسخ معك ؟ » .
فقال : نعم ، كنا أربع وعشرين طائفة من بني اسرائيل ، قد تمردنا وطغينا واستكبرنا ، وتركنا المدن لا نسكنها ، وسكنا المفاوز رغبة منا في البعد عن المياه والأنهار ، فأتانا آت ـ والله ، يا أمير المؤمنين ـ أنت أعرف به منّا ، في ضحى النار ، فصرخ صرخة فجمعنا في جمع واحد ، وكنا منبثين في تلك المفاوز والقفار ، فقال لنا : مالكم هربتم من المدن والأنهار وسكنتم في هذه المفاوز ؟ فأردنا أن نقول : لأنا فوق العالم تعززاً وتكبراً ، فقال لنا : قد علمت ما في أنفسكم ، أفعلى الله تتعزّزون وتتكبّرون ؟ فقلنا له : لا ، قال : فقال : أفليس أخذ عليكم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبدالله المكي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقلنا : بلى ، قال : وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه وخليفته من بعده علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فسكتنا ولم نجب بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا لا نقبلها ولا نقربها ، قال لنا : أو لا تقولون بألسنتكم ؟ فقلناها جميعاً بألسنتنا ، فصاح بنا صيحة وقال : بإذن الله كونوا مسوخاً ، كلّ طائفة جنساً ، أيتها القفار كوني بإذن الله أنهاراً تسكنك هذه المسوخ ، واتصلي ببحار الدنيا وأنهارها ، حتى لا يكون ماء إلّا كانوا فيه ، فمسخنا ونحن أربع وعشرون طائفة ، أربعة وعشرون جنساً ، فصاحت اثنتا عشرة طائفة منا : أيها المقتدر علينا بقدرة الله تعالى ، بحقه عليك لما اعفيتنا من الماء ، وجعلتنا على ظهر الأرض كيف شئت ، فقال : قد فعلت .
_____________________________
(١) في الحجرية : ممّن ، وما أثبتناه من المصدر .