الاتّجاه الثاني : الذي يرى أنّ مسألة الوحدة ليست مسألة إدخال الشيعة في محيط السنّة ، أو بالعكس في عملية اندماج وتذويب للشخصية الفكرية الخاصّة التي يحملها كلّ واحد منهما ، بطريقة عاطفية ، بل هي مسألة روحية نفسية في البداية كما هي مسألة فكرية عملية في النهاية ؛ لأنّ قاعدة التفكير الوحدوي ترتكز على أساس الإيحاء للمسلمين بالروحية الإسلامية التي ينبغي أن تطبع شخصيتهم فيما تمثّله الشهادتان من عقيدة والتزام وحركة في حياتهم العامّة والخاصّة مهما اختلفت نظرتهم إلى التفاصيل ، الأمر الذي يثير فيهم مشاعر الوحدة ، ويحلق بهم في آفاقها ، ويوحي لهم بمسؤولياتها ؛ لتكون هذه الروحية سبيلاً من سبل اللقاء الذي يساعد على التفاهم والتحاور والتعاون ، فيمكن للشيعي أن يقنع السنّي بطريقته في فهم الإسلام ، وفي ممارسته ، كما يمكن للسنّي أن يقنع الشيعي بطريقته وبممارسته ، ويمكن لهما أن يكتشفا ، من خلال اللقاء الفكري ، سبيلاً آخر.
ويضيف أصحاب هذا الاتّجاه قائلين : إنّ النتائج الإيجابية التي يحصل عليها المسلمون الشيعة في مسألة الوحدة لا تقاس بالنتائج السلبية التي يعيشونها في مسألة الفرقة والخلاف الفكري والعملي الذي يتحرّك من موقع العقدة الذاتية لا من موقع المصلحة العامة.
ويرون أنّ حركة أيّ صاحب فكر في المحيط العام الذي ينظر إليه بروحية منفتحة إيجابية قد تستطيع أن تحقّق لفكرها الكثير الكثير من المواقع المتقدّمة من خلال ما تملكه من حرّية الجو ، ومن طبيعة الانفتاح. مما لا تستطيع أن تحقّقه في إطار الحدود الفاصلة التي تفصل بين هذا الفريق أو ذاك ، لتوحي لكلّ منهما بالحاجة إلى الاستعداد المسبق لتحصيل المناعة ضدّ إمكانات التأثّر بالفريق الآخر ، وبالتالي لإيجاد حاجز نفسي ضدّ أيّ شيء يثيره