«حقّا» ، ولا بعد ما كان بمعناها ، ولأنّ تفسير حرف بحرف أولى من تفسير حرف باسم ؛ وأما قول مكي : إنّ «كلّا» على رأي الكسائي اسم إذا كانت بمعنى «حقّا» فبعيد ؛ لأن اشتراك اللفظ بين الاسميّة والحرفيّة قليل ، ومخالف للأصل ، ومحوج لتكلّف دعوى علّة لبنائها ، وإلا فلم لا نوّنت؟
وإذا صلح الموضع للرّدع ولغيره جاز الوقف عليها والابتداء بها على اختلاف التقديرين ، والأرجح حملها على الرّدع لأنه الغالب فيها ، وذلك نحو : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ؛ كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) [مريم : ٧٨ ـ ٧٩] ، (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨١ ـ ٨٢].
وقد تعيّن للرّدع أو الاستفتاح ، نحو : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ) [المؤمنون : ١٠٠] ، لأنها لو كانت بمعنى «حقّا» لما كسرت همزة «إنّ» ، ولو كانت بمعنى «نعم» لكانت للوعد بالرجوع لأنّها بعد الطلب ، كما يقال : «أكرم فلانا» ، فتقول : «نعم» ، ونحو : (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٦٢) [الشعراء : ٦١ ـ ٦٢] ، وذلك لكسر «إن» ، ولأن «نعم» بعد الخبر للتّصديق.
وقد يمتنع كونها للزّجر ، نحو : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ كَلَّا وَالْقَمَرِ) (٣٢) [المدثر : ٣١ ـ ٣٢] إذ ليس قبلها ما يصحّ ردّه.
وقول الطبري وجماعة إنّه لما نزل في عدد خزنة جهنم : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠) [المدثر : ٣٠] قال بعضهم : اكفوني اثنين وأنا أكفيكم سبعة عشر ؛ فنزل (كَلَّا) زجرا له قول متعسّف ؛ لأن الآية لم تتضمّن ذلك.
* * *
تنبيه ـ قرىء (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) [مريم : ٨٢] بالتّنوين ، إما على أنه مصدر «كلّ» إذا أعيا ، أي : كلوا في دعواهم وانقطعوا ، أو من «الكلّ» وهو الثقل ، أي : حملوا كلّا ؛ وجوّز الزمخشري كونه حرف الردع ونوّن كما في (سلسلا) [الإنسان : ٤] ؛ وردّه أبو حيان بأن ذلك إنما صحّ في (سلسلا) لأنه اسم أصله التنوين فرجع به إلى أصله للتّناسب ، أو على لغة من يصرف ما لا ينصرف مطلقا ، أو بشرط كونه «مفاعل» أو «مفاعيل» ، ا ه.
وليس التوجيه منحصرا عند الزمخشري في ذلك ، بل جوّز كون التنوين بدلا من حرف الإطلاق المزيد في رأس الآية ، ثم إنه وصل بنيّة الوقف ، وجزم بهذا الوجه في