قولك : «جاء زيد لا يتكلّم» بالاتفاق ، مع الاتفاق على أن الجملة الحالية لا تصدّر بدليل استقبال.
تنبيه ـ من أقسام «لا» النافية المعترضة بين الخافض والمخفوض ، نحو : «جئت بلا زاد» ، و «غضبت من لا شيء» ، وعن الكوفيّين أنها اسم ، وأن الجارّ دخل عليها نفسها ، وأن ما بعدها خفض بالإضافة ، وغيرهم يراها حرفا ، ويسمّيها زائدة كما يسمّون «كان» في نحو : «زيد كان فاضل» زائدة ، وإن كانت مفيدة لمعنى هو المضيّ والانقطاع ؛ فعلم أنهم قد يريدون بالزّائد المعترض بين شيئين متطالبين ، وإن لم يصحّ أصل المعنى بإسقاطه كما في مسألة «لا» في نحو : «غضبت من لا شيء» ؛ وكذلك إذا كان يفوت بفواته معنى كما في مسألة «كان» ، وكذلك «لا» المقترنة بالعاطفة في نحو : «ما جاءني زيد ولا عمرو» ، ويسمّونها زائدة ، وليست بزائدة ألبتّة ، ألا ترى أنه إذا قيل : «ما جاءني زيد وعمرو» احتمل أن المراد نفي مجيء كلّ منهما على كل حال ، وأن يراد نفي اجتماعهما في وقت المجيء ؛ فإذا جيء بـ «لا» صار الكلام نصّا في المعنى الأوّل ، نعم هي في قوله سبحانه : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) [فاطر : ٢٢] لمجرّد التوكيد ، وكذا إذا قيل : «لا يستوي زيد ولا عمرو».
تنبيه ـ اعتراض «لا» بين الجارّ والمجرور في نحو «غضبت من لا شيء» ، وبين النّاصب والمنصوب في نحو : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٥٠] ، وبين الجازم والمجزوم في نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفال : ٧٣] ، وتقدّم معمول ما بعدها عليها في نحو : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) [الأنعام : ١٥٨] الآية ، دليل على أنها ليس لها الصّدر ، بخلاف «ما» ، اللهم إلا أن تقع في جواب القسم ؛ فإن الحروف التي يتلقّى بها القسم كلها لها الصّدر ولهذا قال سيبويه في قوله [من البسيط] :
٢٠٩ ـ اليت حبّ العراق الدّهر أطعمه |
|
[والحبّ يأكله في القرية السّوس](١) |
إن التقدير : على حبّ العراق ؛ فحذف الخافض ونصب ما بعده بوصول الفعل إليه ، ولم يجعل من باب «زيدا ضربته» لأنّ التقدير : لا أطعمه ، وهذه الجملة جواب لـ «آليت» فإن معناه : حلفت ، وقيل : لها الصدر مطلقا ، وقيل : لا مطلقا ، والصواب الأول.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للمتلمس في ديوانه ص ٩٥ ، وتلخيص الشواهد ص ٥٠٧ ، وحزانة الأدب ٦ / ٣٥١ وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٤ ، وبلا نسبة فس أوضح المسالك ٢ / ١٨٠.