والثاني : تقييد الشرطيّة بالزمن الماضي ، وبهذا الوجه وما يذكر بعده فارقت «إن» فإنّ تلك لعقد السببيّة والمسببيّة في المستقبل ، ولهذا قالوا : الشرط بـ «إن» سابق على الشرط بـ «لو» ، وذلك لأنّ الزمن المستقبل سابق على الزمن الماضي ، عكس ما يتوهّم المبتدئون ، ألا ترى أنك تقول : «إن جئتني غدا أكرمتك» فإذا انقضى الغد ولم يجىء قلت «لو جئتني أمس أكرمتك».
الثالث : الامتناع ،وقد اختلف النحاة في إفادتها له ، وكيفيّة إفادتها إياه ، على ثلاثة أقوال :
أحدها : أنّها لا تفيده بوجه ، وهو قول الشّلوبين ، زعم أنها لا تدلّ على امتناع الشرط ، ولا على امتناع الجواب ، بل على التّعليق في الماضي ، كما دلّت «إن» على التعليق في المستقبل ؛ ولم تدلّ بالإجماع على امتناع ولا ثبوت ، وتبعه على هذا القول ابن هشام الخضراوي.
وهذا الذي قالاه كإنكار الضروريّات ، إذ فهم الامتناع منها كالبديهي ، فإنّ كل من سمع «لو فعل» فهم عدم وقوع الفعل من غير تردّد ، ولهذا يصح في كل موضع استعملت فيه أن تعقبه بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط منفيّا لفظا أو معنى ، تقول : «لو جاءني أكرمته ، ولكنه لم يجىء» ، ومنه قوله [من الطويل] :
٢٢١ ـ ولو أنّ ما أسعى لأدنى معشة |
|
كفاني ـ ولم أطلب ـ قليل من المال |
٢٢٢ ـ ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل |
|
وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي (١) |
وقوله [من الطويل] :
٢٢٣ ـ فلو كان حمد يخلد النّاس لم تمت ، |
|
ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد (٢) |
ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) [السجدة : ١٣] ، أي : ولكن لم أشأ ذلك فحقّ القول مني ، وقوله تعالى : (وَلَوْ
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٩ ، وإصلاح المنطق ص ٢١ ، والإنصاف ١ / ٨٤ ، وجمهرة اللغة ص ١٢١ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٢٧ والدرر ٢ / ٢٠٧.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٣٦ ، والدرر ٥ / ١٠١ وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٤٢ ، وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٦٦.