أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) [الأنفال : ٤٣] ، أي : فلم يريكموهم كذلك ، وقول الحماسي [من البسيط] :
٢٢٤ ـ لو كنت من مازن لم تستبح إبلي |
|
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا (١) |
ثم قال [من البسيط] :
٢٢٥ ـ لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد |
|
ليسوا من الشرّ في شيء وإن هانا (٢) |
إذ المعنى : لكنني لست من مازن ، بل من قوم ليسوا في شيء من الشرّ ، وإن هان ، وإن كانوا ذوي عدد.
فهذه المواضع ونحوها بمنزلة قوله تعالى : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) [البقرة : ١٠٢] ، (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) [الأنفال : ١٧] ، (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧].
والثاني : أنها تفيد امتناع الشرط وامتناع الجواب جميعا ، وهذا هو القول الجاري على ألسنة المعربين ، ونصّ عليه جماعة من النّحويين ، وهو باطل بمواضع كثيرة ، منها قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) [الأنعام : ١١١] ، (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧] ، وقول عمر رضياللهعنه : «نعم العبد صهيب ، لو لم يخف الله لم يعصه».
وبيانه أن كل شيء امتنع ثبت نقيضه ، فإذا امتنع ما قام ثبت قام ، وبالعكس ، وعلى هذا فيلزم على هذا القول في الآية الأولى ثبوت إيمانهم مع عدم نزول الملائكة وتكليم الموتى لهم وحشر كل شيء عليهم ، وفي الثانية نفاد الكلمات مع عدم كون كل ما في الأرض من شجرة أقلاما تكتب الكلمات ، وكون البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، وكون السبعة الأبحر مملوءة مدادا وهي تمدّ البحر ؛ ويلزم في الأثر ثبوت المعصية مع ثبوت الخوف ، وكلّ ذلك عكس المراد.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو لقريط بن أنيف في خزانة الأدب ٧ / ٤٤١ ـ ٤٤٣ وشرح شواهد المغني ١ / ٦٨ ، وللعنبري في لسان العرب ٧ / ٣٩٣ مادة / لقط /.
(٢) البيت من البسيط ، وهو لقريط بن أنيف أحد شعراء بلعنبر في خزانة الأدب ٧ / ٤٤١ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٠ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١١٠.