المعصية عند عدم الخوف مستندا إليه فقط أو إليه وإلى الخوف معا ، وعلى ذلك تتخرّج آيةلقمان ؛ لأن العقل يجزم بأن الكلمات إذا لم تنفد مع كثرة هذه الأمور فلأن لا تنفد مع قلّتها وعدم بعضها أولى ؛ وكذا (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) [فاطر : ١٤] لأن عدم الاستجابة عند عدم السماع أولى ؛ وكذا (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) [الأنفال : ٢٣] فإن التولي عند عدم الإسماع أولى ؛ وكذا (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) [الإسراء : ١٠٠] ، فإن «الإمساك» عند عدم ذلك أولى.
والثاني : أن يكون الجواب مقرّرا على كل حال من غير تعرّض لأولوية ، نحو : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) [الأنعام : ٢٨] ، فهذا وأمثاله يعرف ثبوته بعلّة أخرى مستمرّة على التقديرين ؛ والمقصود في هذا القسم تحقيق ثبوت الثاني ، وأما الامتناع في الأول فإنه وإن كان حاصلا لكنه ليس المقصود.
وقد اتّضح أن أفسد تفسير لـ «لو» قول من قال : حرف امتناع لامتناع ، وأن العبارة الجيّدة قول سيبويه رحمهالله : حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وقول ابن مالك : حرف يدلّ على انتفاء تال ، ويلزم لثبوته ثبوت تاليه ، ولكن قد يقال : إن في عبارة سيبويه إشكالا ونقضا.
فأما الإشكال فإن اللام من قوله : «لوقوع غيره» في الظاهر لام التعليل ، وذلك فاسد ، فإن عدم نفاد الكلمات ليس معلّلا بأن ما في الأرض من شجرة أقلام وما بعده ، بل بأن صفاته سبحانه لا نهاية لها ، والإمساك خشية الإنفاق ليس معلّلا بملكهم خزائن رحمة الله ، بل بما طبعوا عليه من الشّحّ ؛ وكذا التولّي وعدم الاستجابة ليسا معلّلين بالسماع ، بل بما هم عليه من العتوّ والضلال ؛ وعدم معصية صهيب ليست معلّلة بعدم الخوف بل المهابة ؛ والجواب أن تقدّر اللام للتوقيت مثلها في (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧] أي أن الثاني يثبت عند ثبوت الأوّل.
وأما النقض فلأنها لا تدلّ على أنها دالّة على امتناع شرطها ، والجواب أنه مفهوم من قوله : «ما كان سيقع» ، فإنه دليل على أنه لم يقع.
نعم في عبارة ابن مالك نقص ؛ فإنها لا تفيد أن اقتضاءها للامتناع في الماضي ، فإذا قيل : «لو حرف يقتضي في الماضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه» كان ذلك أجود العبارات.
تنبيهان ـ الأول ـ اشتهر بين الناس السؤال عن معنى الأثر المرويّ عن عمر رضي