حكما مخالفا لحكم ما قبلها ، ولذلك لا بدّ أن يتقدّمها كلام مناقض لما بعدها ، نحو : «ما هذا ساكنا لكنه متحرّك» ، أو ضدّ له ، نحو : «ما هذا أبيض لكنه أسود» ، قيل : أو خلاف ، نحو : «ما زيد قائما ، لكنه شارب» وقيل : لا يجوز ذلك.
والثاني : أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد ، قاله جماعة منهم صاحب البسيط ، وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهّم ثبوته ، نحو : «ما زيد شجاعا ، لكنه كريم» ، لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان ، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر ، و «ما قام زيد ، لكنّ عمرا قام» ، وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة ، ومثّلوا للتوكيد بنحو : «لو جاءني أكرمته لكنّه لم يجىء» فأكدت ما أفادته «لو» من الامتناع.
والثالث : أنها للتوكيد دائما مثل «إنّ» ، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك ، وهو قول ابن عصفور. قال في المقرب : «إنّ» و «أنّ» و «لكنّ» ، ومعناها التوكيد ، ولم يزد على ذلك ، وقال في الشرح : معنى «لكنّ» التوكيد ، وتعطى مع ذلك الاستدراك ، ا ه.
والبصريّون على أنها بسيطة ، وقال الفراء : أصلها «لكن أنّ» ، فطرحت الهمزة للتّخفيف ، ونون «لكن» للساكنين ، كقوله [من الطويل] :
٣٠٢ ـ [فلست بآتيه ولا أستطيعه] |
|
ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (١) |
وقال باقي الكوفيين : مركّبة من : «لا» و «إن» ، والكاف الزائدة لا التشبيهيّة ، وحذفت الهمزة تخفيفا.
وقد يحذف اسمها ، كقوله [من الطويل] :
٣٠٣ ـ فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي ، |
|
ولكنّ زنجيّ عظيم المشافر (٢) |
أي : ولكنّك زنجيّ ، وعليه بيت المتنبي [من الطويل] :
٣٠٤ ـ وما كنت ممّن يدخل العشق قلبه |
|
ولكنّ من يبصر جفونك يعشق (٣) |
وبيت الكتاب [من الطويل] :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للنجاشي الحارثي في ديوانه ص ١١١ ، والأزهية ص ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١٨ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١٣٣ ، وأوضح المسالك ١ / ٦٧١.
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للفرزدق في ديوانه ص ٤٨١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤٤٤ ، والدرر ٢ / ١٧٦. ولسان العرب مادة (شغر) ، وبلا نسبة في الإنصاف ١ / ١٨٢.
(٣) البيت من الطويل ، وهو للمتنبي في ديوانه ٢ / ٤٨ ، والأشباه والنظائر ٨ / ٤٦.