وقول أبي حيان : لا يجوز فصل الضمير المحصور بـ «إنما» وإن الفصل في البيت الأول ضرورة واستدلاله بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) [سبأ : ٤٦] ، (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) [يوسف : ٨٦] ، (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وهم ، لأن الحصر فيهنّ في جانب الظّرف لا الفاعل ، ألا ترى أنّ المعنى : ما أعظكم إلا بواحدة ، وكذا الباقي.
والثالث : الكافة عن عمل الجرّ ، وتتّصل بأحرف وظروف.
فالأحرف أحدها «ربّ» ، وأكثر ما تدخل حينئذ على الماضي ، كقوله [من المديد] :
٣٣٨ ـ ربّما أوفيت في علم |
|
ترفعن ثوبي شمالات (١) |
لأنّ التّكير والتّقليل إنما يكونان فيما عرف حدّه ، والمستقبل مجهول ، ومن ثمّ قال الرمّاني في (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحجر : ٢] إنما جاز لأن المستقبل معلوم عند الله تعالى كالماضي ، وقيل : هو على حكاية حال ماضية مجازا مثل (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) [الكهف : ٩٩ ، ويس : ٥١] ، وقيل : التّقدير : ربما كان يودّ ، وتكون «كان» هذه شأنية ، وليس حذف «كان» بدون «إن» و «لو» الشرطيّتين سهلا ، ثم الخبر حينئذ ـ وهو «يودّ» ـ مخرّج على حكاية الحال الماضية فلا حاجة إلى تقدير «كان».
ولا يمتنع دخولها على الجملة الاسمية ، خلافا للفارسيّ ، ولهذا قال في قول أبي دؤاد [من الخفيف] :
٣٣٩ ـ ربما الجامل المؤبّل فيهم |
|
[وعناجيج بينهنّ المهار](٢) |
«ما» : نكرة موصوفة بجملة حذف مبتدؤها ، أي : ربّ شيء هو الجامل. الثاني :
الكاف ، نحو : «كن كما أنت» ، وقوله [من الطويل] :
٣٤٠ ـ [أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد] |
|
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (٣) |
قيل : ومنه : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، وقيل : «ما» موصولة ،
__________________
(١) البيت من المديد ، وهو لجذيمة الأبرش في الأزهية ص ٩٤ ـ ٢٦٥ ، والأغاني ١٥ / ٢٥٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ٤٠٤ ، والدرر ٤ / ٣٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢١٩.
(٢) البيت من الخفيف ، وهو لأبي دواد الإيادي في ديوانه ص ٣١٦ ، والأزهية ص ٩٤ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٨٦ ، والدرر ٤ / ١٢٤.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لنهشل بن حري في الدرر ٤ / ٢٠٩ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٢ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٦٨.