[البقرة : ٢٦]. والوجه الثاني : النفي ، و «قليلا» : نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف ، أي : إيمانا قليلا أو زمنا قليلا ، أجاز ذلك بعضهم ، ويردّه أمران : أحدهما أن «ما» النافية لها الصّدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ويسهل ذلك شيئا ما على تقدير «قليلا» نعتا للظرف ؛ لأنهم يتّسعون في الظرف ، وقد قال [من الرجز] :
ونحن عن فضلك ما استغنينا
والثاني : أنهم لا يجمعون بين مجازين ، ولهذا لم يجيزوا «دخلت الأمر» لئلا يجمعوا بين حذف «في» وتعليق الدخول باسم المعنى ، بخلاف «دخلت في الأمر» و «دخلت الدار». واستقبحوا «سير عليه طويل» لئلا يجمعوا بين جعل الحدث أو الزمان مسيرا وبين حذف الموصوف ، بخلاف «سير عليه طويلا» و «سير عليه سير طويل ، أو زمن طويل».
والثالث : أن تكون مصدريّة ، وهي وصلتها فاعل بـ «قليلا» ، و «قليلا» حال معمول لمحذوف دلّ عليه المعنى ، أي : لعنهم الله ، فأخّروا قليلا إيمانهم ، أجازه ابن الحاجب ، ورجّح معناه على غيره.
وقوله تعالى : (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) [يوسف : ٨٠] «ما» إمّا زائدة ، فـ «من» متعلّقة بـ «فرطتم» ، وإمّا مصدرية فقيل : موضعها هي وصلتها رفع بالابتداء ، وخبره «من قبل» ، وردّ بأن الغايات لا تقع أخبارا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالا ، نصّ على ذلك سيبويه وجماعة من المحقّقين ؛ ويشكل عليهم (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) [الروم : ٤٢] ؛ وقيل : نصب عطفا على «أنّ» وصلتها ، أي : ألم تعلموا أخذ أبيكم الموثق وتفريطكم ، ويلزم على هذا الإعراب الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف وهو ممتنع ؛ فإن قيل : قد جاء (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس : ٩] ، (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] قلنا : ليس هذا من ذلك كما توهّم ابن مالك ، بل المعطوف شيئان على شيئين.
وقوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) [البقرة : ٢٣٦] «ما» ظرفيّة ، وقيل : بدل من «النساء» ، وهو بعيد. وتقول : «اصنع ما صنعت» فـ «ما» موصولة أو شرطيّة ، وعلى هذا فتحتاج إلى تقدير جواب ، فإن قلت : «اصنع ما تصنع» امتنعت الشرطيّة ، لأن شرط حذف الجواب مضيّ فعل الشرط.
وتقول : «ما أحسن ما كان زيد» ، فـ «ما» الثانية مصدريّة ، و «كان زيد» صلتها ،