والجملة مفعول ، ويجوز عند من جوّز إطلاق «ما» على آحاد من يعلم أن تقدّرها بمعنى «الذي» ، وتقدّر «كان» ناقصة رافعة لضميرها وتنصب «زيدا» على الخبريّة ، ويجوز على قوله أيضا أن تكون بمعنى «الذي» مع رفع «زيد» ، على أن يكون الخبر ضمير «ما» ، ثم حذف والمعنى : ما أحسن الذي كانه زيد! إلا أن حذف خبر «كان» ضعيف.
وممّا يسأل عنه قول الشاعر في صفة فرس صافن : أي ثان في وقوفه إحدى قوائمه [من الكامل] :
٣٦٠ ـ ألف الصّفون فما يزال كأنّه |
|
ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا (١) |
فيقال : كان الظاهر رفع «كسيرا» خبرا لـ «كأنّ».
والجواب أنه خبر لـ «يزال» ، ومعناه كاسر ، أي : ثان ، كـ «رحيم» و «قدير» ، لا مكسور ضد الصحيح كـ «جريح» و «قتيل» ، و «ما» : مصدرية ، وهي وصلتها خبر «كأنّ» ، أي ألف القيام على الثلاث فلا يزال ثانيا إحدى قوائمه حتى كأنّه مخلوق من قيامه على الثلاث. وقيل : «ما» بمعنى «الذي» وضمير «يقوم» عائد إليها ؛ و «كسيرا» : حال من الضمير ، وهو بمعنى مكسور ؛ و «كأنّ» ومعمولاها خبر «يزال» ، أي : كأنه من الجنس الذي يقوم على الثلاث ، والمعنى الأول أولى.
* * * *
(من) : تأتي على خمسة عشر وجها :
أحدها : ابتدءا الغاية ،وهو الغالب عليها ، حتى ادّعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه ، وتقع لهذا المعنى في غير الزمان ، نحو : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] ، (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) [النمل : ٣٠]. قال الكوفيّون والأخفش والمبرّد وابن درستويه : وفي الزمان أيضا ؛ بدليل (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة : ١٠٨] ، وفي الحديث «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة» ، وقال النابغة [من الطويل] :
٣٦١ ـ تخيّرن من أزمان يوم حليمة |
|
إلى اليوم ، قد جرّبن كلّ التّجارب (٢) |
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو بلا نسبة في الأزهية ص ٨٧. وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٣٥ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٢٧٩ ، ولسان العرب ١٣ / ٢٤٨ مادة / صفى /.
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٤٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٣١ ، ولسان العرب مادة (جرب) ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٢٢ ، وشرح الأشموني ٢ / ٢٨٧.