وقيل : التّقدير : من مضيّ أزمان يوم حليمة ، ومن تأسيس أول يوم ، وردّه السهيليّ بأنه لو قيل هكذا لاحتيج إلى تقدير الزمان.
الثاني : التبعيض ،نحو : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] ، وعلامتها إمكان سد «بعض» مسدّها ، كقراءة ابن مسعود حتى تنفقوا بعض ما تحبون [آل عمران : ٩٢].
الثالث : بيان الجنس ، وكثيرا ما تقع بعد «ما» و «مهما» ، وهما بها أولى ؛ لإفراط إبهامهما ، نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) [فاطر : ٢] ، (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] ، (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) [الأعراف : ١٣٢] ، وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال ؛ ومن قوعها بعد غيرهما (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) [الكهف : ٣١] ، الشّاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء ؛ وقيل : زائدة ، ونحو : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠]. وأنكر مجيء «من» لبيان الجنس قوم ، وقالوا : هي في (مِنْ ذَهَبٍ) و (مِنْ سُنْدُسٍ) للتبعيض ، وفي (مِنَ الْأَوْثانِ) للابتداء. والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادتها ، وهذا تكلّف.
وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسّك بقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) [الفتح : ٢٩] في الطعن على بعض الصحابة ، والحق أن «من» فيها للتّبيين لا للتبعيض ، أي : الذين آمنوا هم هؤلاء ، ومثله (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٢) [آل عمران : ١٧٢] ، وكلّهم محسن ومتّق ، (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : ٧٣] فالمقول فيهم ذلك كلهم كفّار.
الرابع : التعليل ،نحو : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح : ٢٥] ، وقوله [من المتقارب] :
٣٦٢ ـ [تطاول ليلك بالإثمد |
|
وبات الخليّ ولم ترقد (١) |
٣٦٣ ـ وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذي العائر الأرمد](٢) |
٣٦٤ ـ وذلك من نبإ جاءني |
|
[وخبّرته عن أبي الأسود] |
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٨٥ ، والمستقصى ٢ / ٥٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٨٠ ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٧٧٥ ، وباج العروس مادة / ثمد /.
(٢) البيتان من المتقارب ، وهما لامرىء القيس في ديوانه ١٨٥ ، ولعمر بن معد يكرب في ديوانه ص ٢٠٠ ، ولعمرو أو لامرىء القيس في سمط اللآلي ص ٥٣١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٥٤ ، وجمهرة اللغة ص ٧٧٥.