وأبياتا أخر ، ولا دليل في ذلك ، لجواز كونها للمصدر بمعنى أي إعطاء كثيرا وقليلا وهذه المقالة سبق إليها ابن مالك غيره ، وشدّد الزمخشري الإنكار على من قال بها ، فقال : هذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرّفها من لا يد له في علم العربيّة ، فيضعها في غير موضعها ، ويظنّها بمعنى «متى» ، ويقول : «مهما جئتني أعطيتك» وهذا من وضعه ، وليس من كلام واضع العربيّة ، ثم يذهب فيفسّر بها الآية فيلحد في آيات الله ، انتهى. والقول بذلك في الآية ممتنع ، ولو صحّ ثبوته في غيرها ؛ لتفسيرها بـ «من آية».
الثالث : الاستفهام ، ذكره جماعة منهم ابن مالك ، واستدلّوا عليه بقوله [من السريع] :
٣٨٣ ـ مهما لي اللّيلة مهما ليه |
|
أودى بنعليّ وسرباليه (١) |
فزعموا أن «مهما» مبتدأ ، و «لي» الخبر ، وأعيدت الجملة توكيدا ، و «أودى» : بمعنى هلك ؛ و «نعلي» : فاعل ، والباء زائدة مثلها في (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الفتح : ٢٨] وغيرها ، ولا دليل في البيت ؛ لاحتمال أن التقدير «مه» اسم فعل بمعنى : «اكفف» ثم استأنف استفهاما بـ «ما» وحدها.
تنبيه ـ من المشكل قول الشاطبي رحمهالله [من الطويل] :
٣٨٤ ـ ومهما تصلها أو بدأت براءة |
|
[لتنزيلها بالسّيف لست مبسملا] |
ونقول فيه : لا يجوز في «مهما» أن تكون مفعولا به لتصل لاستيفائه مفعوله ، ولا مبتدأ لعدم الرابط. فإن قيل : قدّر «مهما» واقعة على «براءة» ؛ فيكون ضمير «تصلها» راجعا إلى «براءة» ، وحينئذ فـ «مهما» مبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسّره «تصل» ؛ قلنا : اسم الشرط عام ، و «براءة» اسم خاص فضميرها كذلك ، فلا يرجع إلى العام ، وبالوجه الذي بطل به ابتدائيّة «مهما» يبطل كونها مشتغلا عنها العامل بالضمير.
وهذه بخلافها في قوله [من الطويل] :
٣٨٥ ـ ومهما تصلها مع أواخر سورة |
|
[فلا تقفنّ الدّهر فيها فتثقلا] |
فإنها هناك واقعة على البسلمة التي في أول كل سورة ؛ فهي عامة ؛ فيصحّ فيها الابتداء أو النصب بفعل يفسّره «تصل» ، أي : وأيّ بسملة تصل تصلها ، والظرفية بمعنى: وأيّ وقت تصل البسملة ، على القول بجواز ظرفيّتها.
__________________
(١) البيت من السريع ، وهو لعمرو بن ملقط في الأزهية ص ٢٥٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ١٨ ـ ١٩ ، والدرر ٥ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ص ٣٣٠ ـ ٧٢٤ ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٥١ وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٤.