قيل : «هل قام زيد» ، فقيل : «نعم» فهي لتصديق ما بعد الاستفهام ، والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام ؛ إذ لا يصحّ أن تقول لقائل ذلك : صدقت ؛ لأنه إنشاء لا خبر.
واعلم أنه إذا قيل : «قام زيد» ، فتصديقه «نعم» ، وتكذيبه «لا» ، ويمتنع دخول «بلى» لعدم النفي. وإذا قيل : «ما قام زيد» ، فتصديقه «نعم» ، وتكذيبه «بلى» ، ومنه : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي) [التغابن : ٧] ، ويمتنع دخول «لا» ، لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي. وإذا قيل : «أقام زيد» فهو مثل : «قام زيد» ، أعني أنك تقول إن أثبتّ القيام : «نعم» ، وإن نفيته : «لا» ، ويمتنع دخول «بلى» ؛ وإذا قيل : «ألم يقم زيد» فهو مثل : «لم يقم زيد» ، فتقول إذا أثبتّ القيام : بلى ، ويمنع دخول «لا» ، وإن نفيته قلت : «نعم» ، قال الله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى) [الملك : ٨ ـ ٩] ، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) [البقرة : ٢٦٠] ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لو قيل : «نعم» في جواب (لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ،) لكان كفرا.
والحاصل أن «بلى» لا تأتي إلا بعد نفي ، وأن «لا» لا تأتي إلا بعد إيجاب ، وأن «نعم» تأتي بعدهما ، وإنما جاز (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) [الزمر : ٥٩] مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن (لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) [الزمر : ٥٧] يدلّ على نفي هدايته ، ومعنى الجواب حينئذ : بلى قد هديتك بمجيء الآيات ، أي قد أرشدتك لذلك ، مثل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت :١٧].
وقال سيبويه ، في باب النعت ، في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين : فيقال له : ألست تقول كذا وكذا ، فإنه لا يجد بدّا من أن يقول : نعم ، فيقال له : أفلست تفعل كذا؟ فإنه قائل : «نعم» ، فزعم ابن الطراوة أن ذلك لحن.
وقال جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين منهم الشّلوبين : إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرّد ، وإن كان مرادا به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعيا للفظه ، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعيا لمعناه ، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحد ، ولا الاستثناء المفرّغ ، لا يقال : أليس أحد في الدار ولا أليس في الدار إلا زيد ، وعلى ذلك قول الأنصار رضي الله تعالى عنهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ وقد قال لهم : ألستم ترون لهم ذلك ـ نعم ، وقول جحدر [من الوافر] :
٤١١ ـ أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو |
|
وإيّانا ، فذاك بنا تداني |