والميم في (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) [الأنبياء : ٣]. فهذه أحد عشر وجها ، وأمّا الآية الأولى فإذا قدّرت الواوان فيها علامتين ، فالعلامتان قد تنازعا الظّاهر ؛ فيجب حينئذ أن تقدر في أحدهما ضميرا مستترا راجعا إليه ، وهذا من غرائب العربية ، أعني وجوب استتار الضّمير في فعل الغائبين ؛ ويجوز كون (كثير) مبتدأ وما قبله خبرا ، وكونه بدلا من الواو الأولى مثل «اللهم صلّ عليه الرؤوف الرّحيم» فالواو الثانية حينئذ عائدة على متقدّم رتبة ، ولا يجوز العكس ، لأن الأولى حينئذ لا مفسّر لها.
ومنع أبو حيّان أن يقال على هذه اللغة : «جاؤوني من جاءك» لأنها لم تسمع إلّا مع ما لفظه جمع ، وأقول : إذا كان سبب دخولها بيان أنّ الفاعل الآتي جمع ، كان لحاقها هنا أولى ، لأن الجمعيّة خفيّة.
وقد أوجب الجميع علامة التأنيث في «قامت هند» كما أوجبوها في «قامت امرأة» ، وأجازوها في «غلت القدر ، وانكسرت القوس» ، كما أجازوها في «طلعت الشّمس ، ونفعت الموعظة».
وجوّز الزمخشري في (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) [مريم : ٨٧] كون (مَنِ) فاعلا والواو علامة.
وإذا قيل : «جاؤوا زيد وعمرو وبكر» لم يجز عند ابن هشام أن يكون من هذه اللغة ، وكذا تقول في «جاءا» زيد وعمرو» ، وقول غيره أولى ، لما بينّا من أن المراد بيان المعنى ، وقد ردّ عليه بقوله [من الطويل] :
٤٤٤ ـ [تولّى قتال المارقين بنفسه] |
|
وقد أسلماه مبعد وحميم (١) |
وليس بشيء ، لأنه إنما يمنع التخريج لا التّركيب ، ويجب القطع بامتناعها في نحو : «قام زيد أو عمرو» ، لأن القائم واحد ، بخلاف «قام أخواك أو غلاماك» لأنه اثنان ؛ وكذلك تمتنع في «قام أخواك أو زيد». وأمّا قوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) [الإسراء : ٢٣] ، فمن زعم أنه من ذلك فهو غالط ، بل الألف ضمير الوالدين في (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الإسراء : ٢٣] وأحدهما أو كلاهما بتقدير يبلغه أحدهما أو كلاهما ، أو أحدهما بدل بعض ، وما بعده بإضمار فعل ، ولا يكون معطوفا ، لأن بدل
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ١٩٦ ، والدرر ٢ / ٢٨٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٤ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٠٦.