(فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] عطفا على (يُقْضى) [فاطر : ٣٦] ، وأجاز ابن خروف فيه الاستئناف على معنى السببيّة كما قدّمنا في البيت ، وقرأ السبعة : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣٦) [المرسلات : ٣٦] ، وقد كان النّصب ممكنا مثله في (فَيَمُوتُوا ،) ولكن عدل عنه لتناسب الفواصل ، والمشهور في توجيهه أنه لم يقصد إلى معنى السببيّة ، بل إلى مجرّد العطف على الفعل وإدخاله معه في سلك النفي ، لأن المراد : بلا يؤذن لهم نفي الإذن في الاعتذار ، وقد نهوا عنه في قوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) [التحريم : ٧] فلا يتأتّى العذر منهم بعد ذلك ، وزعم ابن مالك بدر الدّين أنه مستأنف بتقدير : فهم يعتذرون ، وهو مشكل على مذهب الجماعة ، لاقتضائه ثبوت الاعتذار مع انتفاء الإذن كما في قولك «ما تؤذينا فنحبّك» بالرفع ، ولصحّة الاستئناف يحمل ثبوت الاعتذار مع مجيء (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) على اختلاف المواقف ، كما جاء (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤] ، وإليه ذهب ابن الحاجب ؛ فيكون بمنزلة «ما تأتينا فتجهل أمورنا» ، ويردّه أن الفاء غير العاطفة للسببيّة ، ولا يتسّبب الاعتذار في وقت عن نفي الإذن فيه في وقت آخر ؛ وقد صحّ الاستئناف بوجه آخر يكون الاعتذار معه منفيّا ، وهو ما قدّمناه ونقلناه عن ابن خروف من أن المستأنف قد يكون على معنى السببيّة ؛ وقد صرّح به هنا الأعلم ، وأنه في المعنى مثل (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] ، وردّه ابن عصفور بأن الإذن في الاعتذار قد يحصل ولا يحصل اعتذار ، بخلاف القضاء عليهم ، فإنه يتسبّب عنه الموت جزما ، وردّ عليه ابن الضائع بأن النصب على معنى السببيّة في «ما تأتينا فتحدّثنا» جائز بإجماع ، مع أنه قد يحصل الإتيان ولا يحصل التّحديث ، والذي أقول : إن مجيء الرفع بهذا المعنى قليل جدّا ، فلا يحسن حمل التنزيل عليه.
تنبيه ـ «لا تأكل سمكا وتشرب لبنا» إن جزمت فالعطف على اللفظ والنهي عن كلّ منهما ؛ وإن نصبت فالعطف عند البصريّين على المعنى والنهي عند الجميع عن الجمع ، أي : لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن ؛ وإن رفعت فالمشهور أنه نهي عن الأول وإباحة للثاني ، وأن المعنى : ولك شرب اللبن ، وتوجيهه أنه مستأنف ، فلم يتوجّه إليه حرف النهي ؛ وقال بدر الدين بن مالك : إن معناه كمعنى وجه النّصب ، ولكنه على تقدير لا تأكل السّمك وأنت تشرب اللبن ، ا ه. وكأنه قدّر الواو للحال ، وفيه بعد ، لدخولها في اللفظ على المضارع المثبت ، ثم هو مخالف لقولهم ؛ إذ جعلوا لكلّ من أوجه الإعراب معنى.