تنبيه ـ من العطف على المعنى على قول البصريّين نحو : «لألزمنّك أو تقضينني حقّي» إذ النصب عندهم بإضمار «أن» و «أن» والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهّم ، أن ليكوننّ لزوم مني أو قضاء منك لحقي ؛ ومنه (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح : ١٦] في قراءة أبيّ بحذف النون ؛ وأما قراءة الجمهور بالنّون فبالعطف على لفظ «تقاتلونهم» ، أو على القطع بتقدير : أو هم يسلمون ؛ ومثله «ما تأتينا فتحدّثنا» بالنّصب ، أي ما يكون منك إتيان فحديث ؛ ومعنى هذا نفي الإتيان فينتفي الحديث ، أي : ما تأتينا فكيف تحدّثنا ؛ أو نفي الحديث فقط حتى كأنه قيل : ما تأتينا محدّثا ، أي : بل غير محدّث ؛ وعلى المعنى الأوّل جاء قوله سبحانه وتعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦] أي : فكيف يموتون ؛ ويمتنع أن يكون على الثاني ، إذ يمتنع أن يقضى عليهم ولا يموتون ؛ ويجوز رفعه فيكون إمّا عطفا على «تأتينا» ؛ فيكون كلّ منهما داخلا عليه حرف النفي ، أو على القطع فيكون موجبا ، وذلك واضح في نحو «ما تأتينا فتجهل أمرنا» و «لم تقرأ فتنسى» لأن المراد إثبات جهله ونسيانه ، ولأنه لو عطف لجزم «تنسى» ، وفي قوله [من الخفيف] :
٦٢٦ ـ غير أنّا لم يأتنا بيقين |
|
فنرجّي ونكثر التّأميلا (١) |
إذ المعنى أنه لم يأت باليقين فنحن نرجو خلاف ما أتى به لانتفاء اليقين عمّا أتى به ؛ ولو جزمه أو نصبه لفسد معناه ، لأنه يصير منفيّا على حدته كالأول إذا جزم ، ومنفيّا على الجمع إذا نصب ، وإنما المراد إثباته ؛ وأمّا إجازتهم ذلك في المثال السّابق فمشكلة ، لأن الحديث لا يمكن مع عدم الإتيان ، وقد يوجّه قولهم بأن يكون معناه ما تأتينا في المستقبل فأنت تحدّثنا الآن ، عوضا عن ذلك ؛ وللاستئناف وجه آخر ، وهو أن يكون على معنى السببيّة وانتفاء الثاني لانتفاء الأوّل ، وهو أحد وجهي النصب ، وهو قليل ، وعليه قوله [من الكامل] :
٦٢٧ ـ فلقد تركت صبيّة مرحومة |
|
لم تدر ما جزع عليك فتجزع (٢) |
أي : لو عرفت الجزع لجزعت ، ولكنّها لم تعرفه فلم تجزع. وقرأ عيسى بن عمر
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو لبعض الحارثيين في خزانة الأدب ٨ / ٣٥٨ ، والرد على النحاة ص ١٢٧ ، وللعنبري في شرح المفصل ٧ / ٣٦ ، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٢.
(٢) البيت من الكامل ، وهو لمويلك المزموم ، في خزانة الأدب ٨ / ٥٣١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٩٠٣ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ٩ / ٨٧.