نحو : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] أي : منه ، أو الأصل : في حجّة ؛ وأما قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٧٦) [آل عمران : ٧٦] ، (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦) [المائدة : ٥٦] وقول الشاعر [من الوافر] :
٦٥٢ ـ فمن تكن الحضارة أعجبته |
|
فأيّ رجال بادية ترانا؟ (١) |
فقال الزمخشري في الآية الأولى : إن الرابط عموم المتّقين ، والظاهر أنه لا عموم فيها ، وأن «المتّقين» مساوون لمن تقدّم ذكره ، وإنما الجواب في الآيتين والبيت محذوف وتقديره في الآية الأولى : يحبه ، وفي الثانية : يغلب ، وفي البيت : فلسنا على صفته.
العاشر : العاملان في باب التنازع ، فلا بدّ من ارتباطهما إمّا بعاطف كما في «قام وقعد أخواك» أو عمل أوّلهما في ثانيهما ، نحو : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) (٤) [الجن : ٤] ، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) (٧) [الجن : ٧] أو كون ثانيهما جوابا للأول ، إما جوابيّة الشرط نحو : (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ٥] ، ونحو : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] ، أو جوابيّة السؤال ، نحو : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] أو نحو ذلك من أوجه الارتباط ؛ ولا يجوز «قام قعد زيد» ، ولذلك بطل قول الكوفيّين : إن من التنازع قول امرىء القيس.
كفاني ـ ولم أطلب ـ قليل من المال
وإنه حجّة على رجحان اختيار إعمال الأول ، لأن الشاعر فصيح ، وقد ارتكبه مع لزوم حذف مفعول الثاني ، وترك إعمال الثاني مع تمكنه منه وسلامته من الحذف ، والصواب أنه ليس من التنازع في شيء ، لاختلاف مطلوبي العاملين ، فإن «كفاني» طالب لـ «القليل» ، و «أطلب» طالب لـ «الملك» محذوفا للدليل ، وليس طالبا لـ «القليل» ، لئلا يلزم فساد المعنى ، وذلك لأن التنازع يوجب تقدير قوله : ولم أطلب معطوفا على «كفاني» ، وحينئذ يلزم كونه مثبتا ، لأنه حينئذ داخل في حيّز الامتناع المفهوم من «لو» ، وإذا امتنع النفي جاء الإثبات ، فيكون قد أثبت طلبه للقليل بعد ما نفاه بقوله :
ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٧٦ ، ولسان العرب ٤ / ١٩٧ مادة / حضر / ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١١١ ، ولسان العرب ١٤ / ٦٨ مادة / بدا /.