«زيد» ، فهو تمييز محوّل عن الفاعل ، يمتنع أن تدخل عليه «من» ؛ وإن قدّر نفسه احتمل الحال والتمييز ؛ وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال «من» ؛ ومن ذلك : «هذا خاتم حديدا» ، والأرجح التمييز للسلامة به من جمود الحال ، ولزومها ، أي : عدم انتقالها ، ووقوعها من نكرة ، وخير منهما الخفض بالإضافة.
من الحال ما يحتمل كونه من الفاعل وكونه من المفعول ، نحو : «ضربت زيدا ضاحكا» ، ونحو : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] ، وتجويز الزمخشري الوجهين في (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة : ٢٠٨] وهم ، لأن «كافّة» مختصّ بمن يعقل ، ووهمه في قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) [سبأ : ٢٨] إذ قدّر (كافة) نعتا لمصدر محذوف ـ أي : إرسالة كافة ـ أشدّ ، لأنه أضاف إلى استعماله فيما لا يعقل إخراجه عما التزم فيه من الحاليّة ، ووهمه من خطبة المفصل إذ قال «محيط بكافّة الأبواب» أشدّ وأشدّ لإخراجه إياه عن النصب ألبتة.
من الحال ما يحتمل باعتبار عامله وجهين ، نحو : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢] يحتمل أن عامله معنى التنبيه أو معنى الإشارة ، وعلى الأول فيجوز «قائما ذا زيد» قال [من البسيط] :
٧٢٨ ـ ها بيّنا ذا صريح النّصح فاصغ له |
|
[وطع فطاعة مهد نصحه رشد](١) |
وعلى الثاني يمتنع ؛ وأما التّقديم عليهما معا فيمتنع على كلّ تقدير.
من الحال ما يحتمل التعدّد والتّداخل ، نحو : «جاء زيد راكبا ضاحكا» ، فالتعدّد على أن يكون عاملهما «جاء» ، وصاحبهما «زيد» ؛ والتداخل على أن الأولى من «زيد» وعاملها «جاء» ، والثّانية من ضمير الأولى وهي العامل ؛ وذلك واجب عند من منع تعدّد الحال ؛ وأما «لقيته مصعدا منحدرا» فمن التعدّد ، لكن مع اختلاف الصاحب ؛ ويستحيل التداخل ، ويجب كون الأولى من المفعول والثّانية من الفاعل تقليلا للفصل ، ولا يحمل على العكس إلا بدليل كقوله [من الطويل] :
٧٢٩ ـ خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا |
|
على أثرينا ذيل مرط مرحّل (٢) |
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني ٢ / ٩٠١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٣٤.
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ١٤ ، وخزانة ١١ / ٤٢٧ ، والدرر ٤ / ١٠ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ٣٣٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٤٤.